ذات مرة سُئل فولتير عمن سيقود الجنس البشري فقال: الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون. فالقراءة لها دور مهم في تقدم الفرد والمجتمع، فهي دليل حضاري يقاس به تقدم وتحضر المجتمعات.
وقد اهتم الإنسان منذ قديم الأزمان بالحكايات والقصص وعوالمها السحرية، وشخوص أبطالها، ومن ثم أخذ الكبار والصغار يقرؤونها في البيوت والمكتبات. ومع اختراع الطباعة وانتشار الكتب ووسائل الاتصال الحديثة بشكل واسع، تعددت أشكال القصص والحكايات، وتنوعت طرق إخراجها، فاقتحمت حياتنا بقوة، حتى صارت ضرورة ملحة وحاجة نفسية تشبع رغباتنا وتلهم خيالنا.
وتأتي القراءة في العالم العربي في المرتبة الأخيرة بالنسبة لاهتمامات الإنسان العربي، حيث يبلغ معدّل القراءة عند الفرد 6 دقائق سنويًّا مقابل 200 ساعة للفرد في أوروبا وأميركا. وأنّ الطفل الأميركي يقرأ تقريبًا 6 دقائق في اليوم بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنويًّا وفقًا لتقرير التنمية الثقافية لعام 2011 الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي”. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كيف نصنع مجتمعًا قارئًا؟ فالمجتمع الذي لا يقرأ هو مجتمع لا يتطور، ولا يستطيع أن يكشف ذاته، أو يمتلك إرادة التقدم، أو أن ينظر إلى المستقبل بأمل وطموح. إن المسؤولية عن هذا الانحدار لا تقع على جهة دون أخرى، بل كل الجهات مشتركة (الأسرة، المدرسة، المجتمع، وسائل الإعلام، الدولة).
ولذلك عبر السطور الآتية سوف نتناول الطفل وقراءة القصص والحكايات، وفوائدها، وأنواع القصص والحكايات المناسبة لكل مرحلة عمرية، وما الذي ينبغي على الآباء والأمهات والمعلمات عامة مراعاته في سبيل إفادة الطفل منها، وإثراء خبراته، وتنمية قدراته ومواهبه.
فوائد قراءة القصص والحكايات للطفل
لقد ركزت الدراسات النفسية الحديثة على دراسة محتوى القصص والحكايات وتأثيرها النفسي، وقدرتها على إنماء شخصية الطفل، وتغذية قدراته العقلية ومهاراته اللغوية. ولذلك فقد صنف علماء النفس مضامين القصص والحكايات، وأنواعها ووضعوا لكل مرحلة عمرية قصص وحكايات تناسب نمو الطفل العقلي وتطوره النفسي.
وتساعد القصص والحكايات على تقوية عملية التواصل بين الآباء والأمهات والأطفال، وتنشأ علاقات إيجابية تنعكس بصورة فعالة على شخصية الطفل فيما بعد، كما تسهم فى تنمية حب الطفل لعادة القراءة والاطلاع، وحب الكتاب، إضافة إلى ما تسهم به القصص والحكايات بشكل فعال فى تنمية الحصيلة اللغوية للطفل، وقدراته التواصلية المختلفة، إضافة لنمو الجانب الأخلاقي والاجتماعي، وتنمية معارفه ومعلوماته.
لذلك يجب على الآباء والأمهات اتباع الوسائل الآتية عند قراءة القصص والحكايات للطفل:
1- تحفيز الحواس المختلفة
يجب على الوالدين أن يركزا على تعويد الطفل منذ الصغر على ملامسة الكتاب والقصة وتقليب صفحاته، حتى وإن أدى إلى تمزقها، فهذا أمر ضروري لتنمية قدرات الطفل الحسية، والحركية، كما على الأبوين أن يتفاعلا بصورة إيجابية مع الحكاية من خلال تغيير نبرة الصوت، أو تقليد بعض الأصوات، أو محاكاة الأحداث بالإشارات، وحركات الجسد، وذلك لإيقاظ وتنبيه حواس الطفل، وجعله يتعايش فعليًّا مع عالم الحكاية المثير.
2- جذب انتباه الطفل
يجب أن يركز الآباء والأمهات على جذب انتباه الطفل، من خلال طريقة قص الحكاية، واستخدام تعبيرات الوجه، ونبرات الصوت، والإشارات، بحيث يعيش الطفل لحظات الإثارة والمتعة، والاندماج فى عالم القصة الخيالي، والاستغراق فى أحداثها.
3- مشاركة الطفل فى تمثيل بعض الأدوار
ويمكن أن يشارك الطفل فى تمثيل بعض المشاهد والأحداث، كما يمكن أن يغني الطفل، بعض الأناشيد والأغاني أو يحاول قراءتها وإلقائها، أو يتشارك الأب أو الأم مع الطفل الغناء، أو يجلب الآباء والأمهات بعض الملابس والأردية البسيطة لمحاكاة شخوص القصة.
4- طرح الأسئلة على الطفل حول مضمون القصة وشخوصها
وهنا يجب ألا يكتفي الآباء والأمهات أو المعلمات بإلقاء القصص، بل يتبعها تعقيب، والنقاش والحوار، واستخلاص الدروس المستفادة من القصة، وآراء الطفل فى القصة، وأحداثها، والشخصيات المختلفة، وذلك لتعليم الطفل القيم، والأخلاق، والمساعدة فى نمو الجانب الأخلاقي والاجتماعي في شخصيته.
5- شرح وتوضيح المصطلحات الجديدة للطفل
فعلى الآباء والأمهات عدم الاكتفاء بالقراءة وحسب، بل شرح معاني الكلمات الجديدة، وطريقة قراءتها على نحو صحيح بما يساعد على تحقيق النمو اللغوي للطفل، وزيادة حصيلته اللغوية. كما يجب أن يحرص الآباء والأمهات على القراءة بشكل صحيح، بحيث يراعون مخارج الحروف والأصوات، وبما يتفق وقواعد النحو واللغة.
6- تنويع القصص والحكايات
ويجب أن يضع الآباء والأمهات والمعلمات في الحسبان أهمية تنوع القصص والحكايات التي يقرؤونها مع الأطفال، بحيث تسهم في تنمية شخصيته من جميع جوانبها، فهناك القصص والحكايات العلمية، وهناك القصص والحكايات التاريخية، وهناك القصص والحكايات الخيالية، لذا فإن تنويع القصص والحكايات أكثر فائدة للطفل من مجرد التركيز على نوع واحد من القصص.
7- أهمية مناسبة القصة والحكاية للطفل وللسياق الثقافي والاجتماعي
وهذه نقطة يجب أن يضعها المربون في الحسبان، إذ إن لكل مرحلة عمرية ما يناسبها من الحكايات والقصص، كما يجب مراعاة أنه ليست كل أنواع القصص صالحة للطفل العربي والمعايير والقيم التي تتبناها مجتمعاتنا، لذلك يجب أن يدقق الآباء والأمهات عند شرائهم لقصة ما واختيارها وفقًا لمعيار السن والنوع والقيم التي تدعو إليها تلك القصص والحكايات.
8- اصطحاب الأطفال للمعارض والمكتبات ومشاركتهم في اختيار القصص والحكايات
نقطة أخرى يجب وضعها في الحسبان ألا وهي مشاركة الطفل في زيارة المعارض والمكتبات واختيار القصص وشرائها، إذ إن الطفل مهما كان عمره يجب النظر إليه على أنه كائن مفكر له شخصيته، لذلك يجب إتاحة الحرية له فى المشاركة في اختيار القصص والحكايات، وأن يتناقش مع الوالدين فى ذلك، لما له من أثر في تنمية روح المسؤولية والاستقلالية وتنمية التفكير الناقد لديه.
أنواع القصص المستخدمة مع الأطفال وفقًا للمرحلة العمرية
1- من الولادة حتى سن سنة ونصف
ينبغى أن تكون قصص هذه المرحلة ذات نوعيات مختلفة مزودة بالصور والألوان الجذابة، ويمكن أن تكون الكتب من البلاستيك ليستعملها الطفل في كافة الأوقات، كما يمكن الاستعانة بالقصص والحكايات الكرتونية ذات الصور الجذابة، أو الكتب التي تصدر أصواتًا موسيقية مما يثير انتباه الطفل ويجذبه نحوها، ويخلق جو من المرح مصاحب لعملية القراءة. وبالطبع فإن المحتوى يكون بسيطًا وبلغة سهلة التناول للطفل في هذه المرحلة العمرية، ويغلب عليها الاستعانة بالصور والرسوم المكبرة ذات الألوان الجذابة والمشوقة.
2- من سن سنة ونصف إلى ثلاث سنوات
يوجه النصح للآباء في هذه المرحلة بأن يستخدموا القصص العادية والورق العادي غير الكرتوني، والصور الجذابة كبيرة الحجم، وذات جمل قصيرة وبسيطة، كما نركز في هذه المرحلة على القصص ذات الإيقاع الموسيقي المتصلة بمحيطه الأسري، وتدريبه على أداء تلك الأغاني مستعملاً يديه، وجسده، والحركة مع الأغنية.
3- من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات
يجب أن يسعى الآباء والأمهات لاستخدام القصص المشوقة والممتعة، والتي تجذب انتباه الطفل إلى قراءتها والاطلاع عليها، والتي تنتهي نهاية سعيدة، ومن أمثلتها الحكايات الشعبية والعالمية والمحلية مثل (بيضاء الثلوج، سندريللا، وأليس في بلاد العجائب، …) كما يمكن أن نقص عليه قصص كليلة ودمنة وحكايات ألف ليلة وليلة، وحكايات الحكيم أيسوب، والتي يتعلم من خلالها بعض القيم والفضائل، كما يمكن استخدام المجلات والقصص المصورة وخصوصًا ذات البعد العربي مثل مجلة العربي الصغير ومجلة براعم الإيمان الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، لما لهما من تركيز على البعد العربي والقيمي والأخلاقي.
4- من خمس سنوات إلى سبع سنوات
تتكون لدى الطفل في هذه المرحلة القدرة على قراءة قصة قصيرة، أو قراءة بعض مقاطعها بصورة سليمة، ويجب أن يشجعه الوالدان على إعادة حي القصة بأسلوبه، لما لتلك الطريقة من فائدة في تنمية قدراته اللغوية، وملكات الحفظ والسرد والقص لديه. وفي تلك المرحلة يجب تشجيع الطفل على قراءة قصص الأنبياء والرسل للأطفال والتي صاغها كثير من الكتاب والمؤلفين العرب للأطفال بأسلوب مبسط مثل أحمد بهجت، وقراءة سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة الكرام عليهم رضوان الله.
5- من سن (7) سنوات فأكثر
يتمكن الطفل في هذه المرحلة من اكتساب مهارات القراءة التي تعلمها في المدرسة والمنزل، ويصير قادرًا على قراءة نصوص طويلة تتضمن مفردات صعبة، ويصير أكثر قدرة على التعامل مع الواقع، ويرغب فى قراءة الحكايات الخيالية ذات العالم السحري المليء بالمفاجآت، ويمكن أن نركز في هذه المرحلة على تقديم القصص المرتبطة بعالم المهن، أو الإنسان أو حياة الكائنات الحية، أو الكواكب والنجوم.
ومع نمو سن الطفل وتقدمه، في مراحل النمو تنمو قدراته اللغوية، ويصير أكثر قدرة على التعامل مع الحكايات والقصص، وينتقل إلى قراءة القصص بأنواعها المختلفة إلى قراءة الروايات والسير، وحكي هذه القصص بأسلوبه وإعادة سردها، ويجب على الأبوين أن يركزا في كل المراحل على تشجيع الطفل على القراءة، وربطه بالكتاب، وتكوين عادات القراءة السليمة، وتدريبه على وضعيات القراءة الصحية، ومسافة القراءة، ودرجات الإضاءة، وطريقة الجلوس أثناء إمساكه بالكتاب، كما يمكن تشجيع الطفل على تلخيص القصة والحكاية أو إعادة سردها ومكافآته إذا قام بذلك على نحو صحيح، لما لذلك من فائدة فى تنمية عادات القراءة من ناحية، ومهارات القص والحكي، كما يمكن الحوار معه والمناقشة في الموضوعات المختلفة التي يقرؤها، وآرائه بحيث تنمو لديه عادات التفكير والتحليل ومهارات النقد، ويساعد على تنمية مواهبه في سن مبكرة.