في أول دراسة واسعة النطاق على التجاويف (الجيوب الأنفية) لمعظم الأنواع البشرية والرئيسيات الكبيرة ظهرت في الآونة الأخيرة أبحاث علمية توضح تأثير تلك التجاويف على الدماغ ومدى العلاقة بينهما من أجل فك لغز لغزها في محاولة لفك شفرة التجاويف قرب الدماغ.
لكن ما هي التجاويف الأنفية، وما أنواعها، وما الذي يسبب التهاب التجاويف الأنفية، ثم ما أنواع التهابها، وكيف تميّز بين التهاب الجيوب الأنفية ونزلة البرد والحساسية الأنفية؟
التجويفات الأنفية هي أربعة تجاويف في الرأس ترتبط بقنوات ضيقة، وتصنع التجاويف الأنفية مخاطًا رقيقًا يخرج من قنوات الأنف، ويساعد هذا التصريف في الحفاظ على الأنف نظيفًا وخاليًا من البكتيريا..
وعادة ما تكون التجويفات الأنفية ممتلئة بالهواء، ويمكن أن تنسد وتمتلئ بالسوائل. وعندما يحدث ذلك، يمكن أن تنمو البكتيريا وتسبب عدوى، أي التهاب الجيوب الأنفية الجرثومي.
تقع التجويفات الأنفية في الرأس بالقرب من الأنف والعينين، وتشمل:
التجويفات الغربالية (The ethmoidal sinuses)، وتقع بين العينين.
التجويفات الفكية (The maxillary sinuses) وتقع أسفل العينين.
التجويفات الوتدية (The sphenoidal sinuses)، وتقع خلف العينين.
التجويفات الأمامية (The frontal sinuses)، وتقع فوق العينين.
وأكبر تجويف للتجاويف الأنفية هو تجويف الفك، وهو أحد التجاويف التي غالبًا ما تصاب بالعدوى
ويشير مصطلح التهاب التجاويف الأنفية إلى ظهور مفاجئ لأعراض البرد مثل سيلان الأنف وانسداد الأنف وألم الوجه الذي لا يزول بعد 10 أيام، أو الأعراض التي يبدو أنها تتحسن ولكنها تعود بعد ذلك وتكون أسوأ من الأعراض الأولية، ويستجيب هذا الالتهاب جيدًا للمضادات الحيوية ومزيلات الاحتقان.
يمكن أن تحدث عدوى التجاويف الأنفية لأي شخص. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من الحساسية الأنفية، والبوليبات الأنفية التي تعرف أيضًا باسم (السلائل) وهي عبارة عن تورمات عقدية في سطح الغشاء المخاطي، والربو، ويمكن أن يزيد التدخين أيضًا من عدد المرات التي تصاب فيها بعدوى التجاويف الأنفية.
الالتهاب المهمل يؤدي للوفاة
ولكي نميز بين التهاب التجاويف الأنفية ونزلة البرد والحساسية الأنفية علينا أن نعلم أنه من الصعب التمييز بين نزلات البرد والحساسية والتهاب الجيوب الأنفية. ويستمر الزكام عادة من بضعة أيام إلى أسبوع. ويمكن أن يتحول البرد إلى التهاب في تلك التجاويف.
أما حساسية الأنف فهي عبارة عن التهاب يصيب الأنف بسبب الجزيئات المهيجة (الغبار، حبوب اللقاح، وبر). ويمكن أن تشمل أعراض حساسية الأنف العطس وحكة الأنف والعينين والاحتقان وسيلان الأنف والتقطير الأنفي الخلفي (مخاط في الحلق). كما يمكن أن تحدث أعراض التهاب التجاويف الأنفية والحساسية في نفس الوقت الذي تحدث فيه نزلات البرد.
يتم علاج التهاب التجاويف الأنفية بعدة طرق، يعتمد كل منها على مدى شدة حالة التهاب التجاويف الأنفية، ومنها مزيلات الاحتقان، أدوية الزكام والحساسية المتاحة دون وصفة طبيب، شطف الأنف بمحلول ملحي، شرب السوائل.
وإذا لم تتحسن أعراض التهاب التجاويف الأنفية بعد 10 أيام، فلا بد من زيارة طبيب متخصص، ليصف التشخيص والعلاج النهائيين لحالة المريض. فقد يصف الطبيب المضادات الحيوية (لمدة 7 أيام للبالغين و10 أيام للأطفال).
ومن مزيلات الاحتقان الفموية أو الموضعية، بخاخات الستيرويد الأنفي التي تصرف بوصفة طبية (ولا تستخدم البخاخات أو القطرات دون وصفة طبية لمدة تزيد على 3 إلى 5 أيام، لأنها قد تؤدي في الواقع إلى زيادة الاحتقان.
ويمكن علاج التهاب التجاويف الأنفية المزمن من خلال التركيز على الحالة الأساسية (الحساسية عادة). ويتم التعامل مع هذا عادة عن طريق: بخاخات الستيرويد الأنفية. بخاخات مضادات الهيستامين الموضعية أو الحبوب التي تؤخذ عن طريق الفم. مضادات الليكوترين (Leukotriene antagonists)، لتقليل أعراض التورم والحساسية. كما أن شطف الأنف بمحلول ملحي قد يحتوي أيضًا على أنواع أخرى من الأدوية.
على الرغم من أن تأثير التجاويف الأنفية لا يحدث كثيرًا، فإن التهاب الجيوب الأنفية غير المعالج يمكن أن يهدد الحياة من خلال التسبب في التهاب السحايا أو إصابة الدماغ أو العينين أو العظام القريبة. والتهاب السحايا هو عدوى تصيب الأغشية التي تغطي الدماغ والحبل الشوكي.
ويوجد ملايين حول العالم يعانون من مشاكل التجاويف الأنفية والتهابها المزمن، وكثير من هؤلاء لا يتعامل مع انسداد الأنف والصداع فحسب، بل يكافحون أيضًا للتركيز وتجربة الاكتئاب وبعض الأعراض الأخرى التي تشير إلى لعب الدماغ دور في مرضهم.
كما أن التجويفات الأنفية تسبب مشاكل في جميع أجزاء الوجه تقريبًا، مثل العيون، حتى إن معظم مرضاها يتساءلون هل هي تؤثر على النظر، بسبب الضغط الكبير الذي تسببه على العين وتشوش الرؤية؟
تأثير الالتهابات على الدماغ
ويعرف التهاب التجاويف الأنفية المزمن بأنه الالتهاب الذي يستمر لمدة 12 أسبوعًا أو أكثر، ويعاني مرضاه أعراض تشمل الآتي: إفرازات أو تصريف من الأنف. آلام في الوجه وضغط. احتقان وانسداد في الأنف. صعوبة الانتباه والتركيز. صداع الرأس. مخاط يقطر من الحلق (بالتنقيط الأنفي الخلفي). الرائحة الكريهة في الفم.
وتسبب الأدوية التي تستخدم في العلاج اضطرابات التركيز والنوم، وتعد ضمن تأثير التجاويف الأنفية على الدماغ.
كما تعد الإصابة بالالتهابات من ضمن تأثير التجاويف الأنفية على الدماغ، مما يمكن أن يؤثر على وظائف المخ، ووضع الجسم في حالة دفاع. كما تعد الإصابة بالتهاب السحايا الجرثومي من ضمن تأثير التجاويف الأنفية على الدماغ، إلا إنه نادر الحدوث.
ويشمل تأثير التجاويف الأنفية على الدماغ عند المصابين بأعراض التهاب السحايا الجرثومي، ما يأتي:
اختلاف وظائف المخ، فقدان التركيز، تأثير مباشر من التجويفات الأنفية على الدماغ كحدوث الصداع باستمرار.
كما يصاب أغلب الأفراد بالصداع في أثناء الإصابة بالتهابات التجاويف الأنفية، بما يعرف باسم “صداع التجاويف الأنفي“، كما يؤدي التهاب التجاويف الأنفية إلى احتباس السائل المخاطي في ممرات الأنف مما يسبب الضغط والإحساس بالصداع.
وقد يحدث من تأثير التجاويف الأنفية على الدماغ حدوث دوخة، فقد يتراكم المخاط في أثناء التهاب التجاويف الأنفية في قناة استاكيوس، وهي قناة تمتد من الأذن الداخلية إلى الحلق، وتعد المسؤولة عن حفظ توازن الجسم. لذا فإن تراكم المخاط في داخل قناة استاكيوس يسبب الدوخة والدوار في بعض الأحيان، وجدير بالذكر أن هذه الأعراض لا تحدث مع كل الأشخاص.
أما الإصابة بالحمَّى فهي أيضًا قد يكون لها تأثير للتجاويف الأنفية على الدماغ؟
حيث يعد ارتفاع درجة الحرارة من تأثيرات التجاويف الأنفية على الدماغ فقط في حالة التهاب التجاويف الأنفية الحاد الذي يكون سبب الإصابة بعدوى فيروسية أو بكتيرية. وجدير بالذكر أن الإصابة بالحمَّى واحد من أعراض الإصابة بالعدوى البكتيرية والالتهابات في الجسم كله وليس فقط التهابات التجاويف الأنفية.
كل هذا جعل العلماء يثيرون علامات الاستفهام الكبيرة حول لغز تلك التجاويف الأنفية، وبالفعل هناك بحث جديد يربط بين التهاب الجيوب الأنفية والتغيرات في نشاط الدماغ، وتحديدًا مع الشبكات العصبية التي تعدل الإدراك والاستبطان والاستجابة للمنبهات الخارجية.
الغموض يلف أصل وتطور التجاويف
مؤخرًا تم نشر ورقة بحثية تربط بين التهاب التجاويف الأنفية والتغير في نشاط المخ في JAMA Otolaryngology-Head & Neck Surgery، وهذه الورقة من إعداد الباحثة (أريا جعفر) وهي جراح وأستاذ مساعد في طب الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة في كلية الطب بجامعة واشنطن.
وقد وجدت تلك الدراسة أن المصابون بالتهاب التجاويف الأنفية المزمن يكون لديهم انخفاض في الاتصال الوظيفي في الشبكة الأمامية الجدارية وهي المسؤولة عن التركيز والانتباه، مما يسبب صعوبة في الاتصال في الشبكة البارزة المسؤولة عن السلوك الاجتماعي والتواصل مع الآخرين، لذلك فإن مريض التجاويف الأنفية المزمن يعاني أكثر مما نتصور، فهم في الواقع يعانون من تراجع المشاعر الذاتية للانتباه.
وهناك أسباب أخرى تجعل المريض يشعر بالتشويش في الدماغ بسبب التهاب تلج التجاويف الأنفية المزمن،
وقد أجرى عدد من علماء الأنثروبولوجيا القديمة عدة دراسات أخرى منها، دراسة عالم الأنثروبولوجيا القديمة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي (أنطوان بالزو) الذي أكد فيها أن التجاويف الجبهية “تشارك في التوازن الفيسيولوجي للوجه المرتبط بالتنفس”. إلا أن الغموض لا يزال يلف أصل وتطور هذه التجاويف الموجودة فوق الحاجز الأنفي، القريب جدَّا من الدماغ.
وأوضح بالزو وهو المعدّ الرئيسي للدراسة المنشورة في “سيانس أدفانسز” أنها أول بحث يحدد موضع التجاويف الأنفية وشكلها وحجمها من خلال “أكثر من ستين عينة تنتمي إلى نحو 20 نوعًا”.
وأشار العالِم إلى أن الحصول على مسح ضوئي “لكل المتحجرات البشرية تقريبًا” كان متاحًا بفضل تعاون فريق كبير متعدد الجنسية، وهو أمر غير مألوف في مجال الأنثروبولوجيا، إذ غالبًا ما تحجم المؤسسات التي تمتلك متحجرات عن إجراء دراسات مشتركة مع أطراف أخرى.
ولاحظت الدراسة للمرة الأولى فرقًا واضحًا جدًّا بين مجموعتين كبيرتين. يتمثل في أن ثمة ارتباطًا مباشرًا بين حجمي الجيوب الأمامية والأدمغة لدى القردة العليا، أي الشمبانزي والبونوبو والغوريلا، وكذلك لدى الأنواع الأولى من الخط البشري، على غرار أناسي الساحل التشادي (Sahelanthropus tchadensis) أو “توماي”، والقردة الجنوبية (“لوسي”) وإنسان بويزي الجانبي.
إلا أن الأمر يختلف كليًّا بالنسبة للسلالة البشرية مع الجنس البشري، كالإنسان المنتصب قبل نحو مليوني عام. وشرح “بالزو” أن الزيادة في حجم جمجمة الأنواع في الجنس البشري تتواكب مع “تحول الجيوب بشكل عام أصغر بالنسبة إلى حجم الجمجمة وأكثر ارتباطًا بشكل الوجه”. تضاف إلى ذلك اختلافات قوية، بما في ذلك داخل النوع نفسه، وخصوصًا بالنسبة للإنسان العاقل، سلف الإنسان الحديث.
ويعيد هذا التنوع النظر في عدد من الفرضيات، كتلك القائلة بأن لإنسان نياندرتال تجاويف أنفية كبيرة يعتقد أنها مكنته من التكيف مع المناخ البارد. وتظهر الدراسة تاليًا أن “العامل المناخي لا يبدو الوحيد المؤثر على حجم التجاويف الأنفية الأمامية” لدى الإنسان العاقل، على قول بالزو الذي أضاف “لم يحدث ذلك لدى الإنسان العاقل، لذلك لا يوجد سبب ليكون حدث لدى إنسان نياندرتال”.
وأضافت الدراسة معطيات جديدة فيما يتعلق بخصائص المجموعات البشرية، وتقود إلى أسئلة عن تصنيف ثلاث عينات من الجنس البشرى (بترالونا وبودو وبروكن هيل) غير قابلة في الوقت الراهن للتصنيف، لديها تجاويف أنفية عملاقة، وقد تساعد أبحاث بالزو مستقبلاً في تحديد الأنواع التي تنتمي إليها.