سرطان الثدي لدى الرجال

رغم ندرة الإصابة بسرطان الثدي بالنسبة للرجال، إلا أن له نفس تأثير السرطان الذي يصيب المرأة، بل نفس المظاهر والأعراض. ولا يزال سرطان الثدي لدى الرجال من الموضوعات الصعبة للباحثين الذين يعانون من ندرة المعلومات عنه، فهناك جوانب كثيرة من المرض ما زالت مجهولة.

ويعتقد الباحثون أن الإصابة بالمرض قد تكون لأسباب بيئية. تذكر الدكتورة “آن هسنج” والفريق البحثي في مستشفى “جاي” للأورام السرطانية في بريطانيا، أن فحص ودراسة إصابة الرجل بسرطان الثدي قد يلقي مزيدًا من الضوء على المخاطر البيئية في الإصابة بسرطان الثدي عند المرأة والرجل على السواء، ولكن يصعب إثبات ذلك عند المرأة.

وبحسب الدراسة البحثية التي قام بها الفريق، فإن سرطان الثدي عند الرجال يصيب واحدًا من بين كل ألف رجل، مقابل إصابة امرأة واحدة من بين كل إحدى عشرة امرأة.

وقد اكتشف الباحثون أن معدلات إصابة الرجال بسرطان الثدي مرتفعة بين الرجال من خريجي الجامعات وذوي الدخول المرتفعة.

وعلى صعيد آخر، ذكرت دراسة بريطانية أخرى أن إنفاق مبلغ يصل إلى عشرة ملايين جنيه إسترليني على تطوير تقنية الكشف عن سرطان الثدي، يمكن أن ينقذ حياة أكثر من خمسة آلاف مصاب من كبار السن. ويستهدف هذا البرنامج الكشف عن إصابات الثدي عند كبار السن، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 50 إلى 70 عامًا كل ثلاثة أعوام.

وذكر التقرير، أن هذا البرنامج سيقلل من احتمالات الوفاة نتيجة الإصابة بهذا المرض بنسبة 12.8 بالمئة. ويقدر الباحثون أنه إذا ما تم عند الذين تزيد أعمارهم عن 70 عامًا، فإن نسبة تقليل مخاطر الوفاة ستصل إلى 16.4 بالمئة، وستحول دون وفاة ما يصل إلى 5300 في غضون 27 عامًا.

وطبقًا لآخر الدراسات، وجد أن أعراض المرض تظهر على الرجال في سن أكبر من سن ظهوره عند النساء إلى حد ما، لذا فغالبًا ما يُكتشف المرض في حالة متأخرة.

ولكن كيف يحدث المرض؟

طبقًا للدراسات الأمريكية، فإن معدل الإصابة بسرطان الثدي بالنسبة للرجال، تمثل حالة من بين كل مائة حالة من حالات الإصابة بالسرطان بشكل عام، وهذا يمثل نسبة 0.2 بالمئة بالنسبة للأمراض التي تصيب الرجال، بينما يمثل سرطان الثدي عند النساء نسبة 26 بالمئة من حالات الإصابة بالسرطان بشكل عام.

من المعروف أن ثدي البالغين من الذكور يكون مشابهًا لثدي الفتيات اللواتي لم يبلغن سن البلوغ بعد، فقد يتكون من بعض الأنابيب المتفرعة المتصلة بخلايا مفلطحة محاطة بأنسجة رابطة، لكن في البنات تتطور هذه الخلايا والأنابيب بسبب هرمون يفرز أثناء البلوغ.

علامات الإصابة

عند الذكور أيضًا، من الممكن أن تستجيب الأنسجة الموجودة بالثدي للتنشيط الهرموني، مما يؤدي إلى كبر حجم الثدي الذي يرجع إلى نمو الأنابيب والأنسجة المدعمة، وهناك 40 بالمئة تقريبًا من بين المراهقين، يعانون من كبر حجم الثدي الذي يكون مؤقتًا، ويظهر نتيجة لهرمونات تم إفرازها، ثم يختفي خلال عام أو اثنين على الأكثر.

بل وقد نجد في الرجال كبار السن نمو أنسجة الثدي، وقد يكون ذلك ناتج عن التنشيط الذي تفعله العديد من الأدوية الشائعة الاستعمال، بالإضافة إلى هرمون الاستروجين “الأنثوي”، الذي يستخدم لعلاج سرطان البروستاتا، وأيضًا يحدث تضخم لثدي الرجل من خلال استخدام أدوية غير هرمونية، تستخدم على مدى واسع لعلاج خلل الأوعية الدموية بالقلب، وارتفاع ضغط الدم، والصداع النصفي.. وكل أنوع سرطانات الثدي التي توجد لدى المرأة من الممكن أن تصيب الرجل، على الرغم من أن بعض هذه الأورام نادر تقريبًا، لكن النوع الأكثر شيوعًا، هو المعروف بسرطان التسلل الأنبوبي، الذي يمثل 73 بالمئة من أنواع السرطانات التي تصيب الرجل.

هناك علامات معروفة لسرطان الثدي عند الرجال، منها تكون انتفاخات غير مؤلمة في الجسم، وغالبًا ما يكتشفها المريض نفسه، وهذه الانتفاخات غالبًا ما تكون تحت الحلمة، حيث تكون أنسجة الثدي مكثفة، لكن الانتفاخ نادرًا ما يكون العلامة الوحيدة الدالة على الورم السرطاني، لأن الرجال يكونون معرضين أكثر لخروج سوائل من حلمة الثدي أكثر من النساء. وهذا السائل غالبًا ما يكون الدم، وتكون علامة انتشار المرض من خلال تراجع الحلمة وانكماشها، والتصاقها بالجلد، كذلك وجود تقرحات جلدية، بالإضافة إلى أن نصف الرجال المصابين بسرطان الثدي يكون لديهم عقد ليمفاوية حساسة.

أيضًا، فإن معظم حالات سرطان ثدي الرجال تصيب ذوي الأثداء كبيرة الحجم. دراسة واحدة فقط رصدت عددًا من الحالات التي وجد أن 51 بالمئة منها قطر الورم فيها أقل من ثلاث سنتيمترات، بينما الأورام الأكبر حجمًا تكون أقطارها ما بين 26 و28 سنتيمترًا.

إن سرطان ثدي الرجال غالبًا ما ينتشر داخليًّا قبل أن يظهر خارجيًّا، ويمكن تشخيصه على الرغم من صغر حجم الثدي لدى الرجل.

ومما يزيد الأمور تعقيدًا، أن معظم الناس يجهلون أن الرجل قد يصاب بسرطان الثدي، ليس الرجال فقط، بل الأطباء أحيانًا، لدرجة أنهم غالبًا ما يتجاهلون الكشف على أثداء مرضاهم. والأكثر من هذا، أن الرجال الذين يكتشفون إصابتهم بسرطان الثدي، يميلون إلى التأخر قبل الذهاب إلى الطبيب المعالج.

وقد أكد ذلك أحد الأبحاث التي رصدت سرعة ذهاب المرضى إلى الأطباء، وأوضحت أن الرجال غالبًا ما يتأخرون 18 شهرًا في المتوسط قبل الذهاب وطلب العلاج الدوائي، وقد يكون هذا بسبب تعامل البعض مع الأمر على أساس أنه شيء ما أصاب العضلات فقط، ولا يدركون خطورة المرض.

ويتعرض الرجال للإصابة في سن أكبر من سن المرأة، وإن كان هناك بعض الحالات التي اكتشفت في بعض الأطفال في عمر خمس سنوات، لكن حدوث هذا يكون نادرًا قبل سن الخامسة والثلاثين. ويكون متوسط سن الإصابة لدى الرجال هو الخامسة والستين، أي أكثر بخمس سنوات من متوسط سن إصابة النساء.

الرجال أكثر استجابة للعلاج من النساء

يصيب سرطان الثدي أربعة عشر رجلاً أسود من بين كل مليون أسود، بينما يصيب ثمانية فقط من الرجال البيض من بين كل مليون أبيض. وبعض الدراسات أوضحت أن الإصابة بالسرطان قد يكون أكثر ارتفاعًا بين رجال اليهود الأوروبيين.

تقول دراسة إن سرطان الثدي في مصر لدى الرجال يمثل 6 بالمئة من مجموع السرطانات التي تصيب الرجال في مصر، وفي زامبيا تصل النسبة إلى 15 بالمئة. وهناك عوامل أخرى تزيد من معدل الإصابة بسرطان الثدي، مثل إفرازات الأستروجين أو أمراض الكبد الناتجة عن الطفيليات. وأشارت بعض الدراسات إلى أن هناك علاقة بين أمراض الكبد الناتجة عن سوء التغذية، والإصابة بسرطان ثدي الرجال.

وأوضحت الكثير من الدراسات، أن هناك أكثر من حالة مرضية بسرطان الثدي داخل الأسرة الواحدة، بل إن العديد من الدراسات أوضح أن هناك بعض الأسر بها اثنان من مرضى سرطان الثدي، والبعض الآخر بها ثلاثة مرضى، أو أن يكون هناك رجل مريض هو ووالده وعمه.

ويعتبر النشاط الهرموني غير المعتاد، أحد العوامل المرتبطة بنمو سرطان الثدي لدى المرأة، وقد يلعب دورًا في تطور الحالة وازديادها أيضًا. وبالنسبة للرجل، فإن عدم الانتظام الهرموني قد يكون مترافقًا مع زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. وهناك كم هائل من الدراسات، أوضحت أن الرجل المصاب بسرطان الثدي، يكون لديه تمثل “إيفي” هرموني غير عادي، وإفراز هرموني غير عادي أيضًا.

ودراسة أخرى، أكدت أن سرطان الثدي يكون بين الرجال المتزوجين في سن متأخرة نسبيًّا، أو يفشلون في إنجاب أطفال.

بينما أثبتت بعض التجارب المعملية، إمكانية جعل الفئران والأرانب تصاب بسرطان الثدي، من خلال التلاعب بالهرمونات.

أكدت دراسات أخرى أيضًا، أن المصابين بسرطان الثدي من الرجال يكونون أكثر استجابة للعلاج بالهرمونات من النساء.

وحتى الآن لا يوجد تفسير كامل للعلاقة بين تضخم الثدي وسرطان الثدي، كما أن بعض التقارير أوضحت أن عشرين بالمائة من مرضى سرطان الثدي، لهم تاريخ مع تضخم الثدي. وهناك أيضًا، الخلل الكرموزومي الذي يزيد بشكل ملحوظ مخاطر ظهور مرض سرطان الثدي.

كيفية التشخيص

كشفت بعض الأبحاث، أن هرمون الأستروجين يعمل على محاصرة سرطان البروستاتا، وهو علاج واسع الانتشار ويستخدم بصورة جيدة، وهو في نفس الوقت يسبب انتفاخ الثدي. لكن قامت المنظمة الطبية الأمريكية بأبحاث حديثة ومسح ضخم؛ حيث أوضح هذا المسح أن اثنين فقط من بين كل سبعة عشر ألف مريض بسرطان البروستاتا وتم علاجهم بهرمون الأستروجين، قد أصيبوا بسرطان الثدي مع ملاحظة أن الرجال المصابين بسرطان البروستاتا يكون متوسط العمر المتوقع لهم أقصر، بينما في حالة سرطان الثدي ربما يعيشون أطول.

وقد يكون هرمون الأستروجين أكثر ارتباطًا بظهور سرطان الثدي للذكور، وهناك حالتان من الذكور عمر كل منهما عشرون عامًا، قاما بإجراء عمليات تغيير الجنس بشكل جراحي، واستأصلا الخصيتين، وقاما ببناء الثديين ليصبحا بالحجم الذي يفعله هرمون الأستروجين، لكن هاتين الحالتين قد أصيبتا بالسرطان في غضون خمس سنوات بعد إجراء الجراحة.

يتم استخدام نفس الخطوات التي تجرى لتشخيص سرطان الثدي لدى النساء من الاختبارات الطبيعية، والديموجرافية، وأخذ عينات من الورم، وكذلك استخدام التكنيك الـذي يستخدم لتعيين التركيب الكرموزومي للمريض. وهناك اختبارات أخرى خاصة بتقدير إفراز هرمون الأستروجين.

لكن يجب أن يكون الطبيب الذي يقوم بالفحص حذرًا، وأن يفرق بين الورم الخبيث والحميد، كما أن الانتفاخ الخبيث في الثدي يكون صلبًا غير منظم وغير مزعم، بينما الحميد يكون محدودًا وناعمًا، وإن كان في كلا الحالتين يكون الانتفاخ ملتصقًا بالحلمة، ولا يكون دائمًا ملتصقًا بالأنسجة تحت الطبقية، وكذلك لا يسبب تقرحات أو تغييرات في الحلمة.

وهناك تغييرات تصاحب سرطان الثدي، مثل نحافة جلد الثدي، والتهاب الرئتين، ووجود نقط على الثدي خاصة النقط الدموية، والعقد المتضخمة، وأحيانًا اختبار الخصيتين يكشف عن ورم أو تغييرات في الأنسجة تكون مسؤولة عن تضخم الثدي.

أيضًا يوجد اختبار آخر، هو اختبار الأنوثة، وهو أداة مفيدة للتفريق بين ظهور أعراض الأنوثة وسرطان الثدي. وفي حالة أعراض الأنوثة، فإن تضخم الثدي يميل إلى أن يكون أملس مخروطي الشكل متماثل القاعدة عند الحلمة، بينما في حالة سرطان الثدي يكون الورم غير منتظم من الخارج، وأحيانًا يشبه الإبرة الدقيقة المتشعبة. وتضيف الدراسات أن تشخيص المرض للرجال يشبه طريقة التشخيص لدى النساء.