التعلق “بفكرة الشراء/ الاستهلاك الترفي” التي يُظن أنها تجلب “نوعًا من السرور” قد تتحول في كثير من الأحيان، إلى “إدمان” يسبب تهديدًا لاستقرار الأسرة. فما هي أعراض، وأسباب ذلك “الإدمان”؟، وكيف يمكن التخلص منه؟
مع الثورة الصناعية وما رافقها من تطوير للصناعة وتراكم الإنتاج نشأ “الإعلان” ليستهوي الناس ويؤثر ـ أحيانًا ـ على عقولهم الواعية، وكثيرًا على عقولهم اللاواعية (اللاشعورية). عازفًا على أوتار الإيحاء والتقليد والمحاكاة والتضمين بالإخفاء والتأثير اللاشعوري لتغيير سلوكهم وأذواقهم وتوجهاتهم الاستهلاكية لتحقيق ـ فقط ـ مصالح المعلنين ومضاعفة أرباحهم. ومع تحول العالم إلى قرية صغيرة، وفى ظل فضائيات “العولمة الاقتصادية” ليس أحد، حتى في أكثر المناطق النائية، بمنأى عن التعرض لضغوط وإلحاح وإغراء وإغواء نشاطات التسويق، والإنتاج المتعاظم، والسعي لتراكم الأرباح. وفق شعارات: “مش حتقدر تقاوم”، و”أنا أستهلك إذن أنا موجود”.
منذ نحو قرن من الزمان.. كتب عالم النفس في ليبزج “إميل كريبلين” رسالة علمية عن الناس في المدن الكبرى “الذين لا يستطيعون مقاومة رغباتهم الملحة في شراء أشياء جميلة تجعلهم يشعرون بالسعادة، حتى لو لم يكونوا بحاجة إليها، وحتى لو تركوا ما اشتروه في المنزل من دون أن يفتحوه أو يستخدموه على الإطلاق”. فهؤلاء، وغيرهم، يشعرون “بقوة جامحة تحثهم على الخروج وشراء الأشياء بغض النظر عن احتياجها لها أو مدى رغبتها في اقتنائها”. هذه المشكلة تحولت في أوقاتنا هذه، إلى “ظاهرة” تستحق التأمل والبحث. وعادة.. تميل الكثيرات من النساء، وعدد غير قليل من الرجال، إلى الخروج إلى المجمعات التجارية، “المولات” للتسوق. فيمضين وقتًا طويلاً متجولات بغية شراء أشياء قد لا تكون هامة بالنسبة لهن، أو لأسرهن. هذه “العادة” كثيرًا ما ترهق ميزانية الأسرة، وتتسبب في مشكلات مالية، خاصة إذا كانت أسرة ذات دخل متوسط ومحدود.
ففي موسم التنزيلات والمهرجانات والتصفيات يجد بعض الأشخاص أنفسهم “لا شعوريًّا” مضطرين لشراء ما يلزم، وما لايلزم، من ثياب واكسسوارات وأشياء مختلفة فقط لأنها تحمل “كارت أحمر” أو شعار التنزيلات. وغالبا ما ينفق هؤلاء على هذه الاشياء – غير الضرورية – أموالاً كثيرة، وقد لا يستخدمون هذه الأشياء أو يشعرون بالندم بعد العودة إلى المنزل واستيعاب ما حدث من “تسوق جائر”. وقد أجرت د. “مارتينا دي زوان” رئيسة قسم العلاج النفسي بمستشفى “إيرلانجين” الجامعي في ألمانيا بالتعاون مع فريقها البحثي وبالاشتراك مع باحثين من جامعة “نورث داكوتا” في الولايات لمتحدة، دراسة على مدى أربع سنوات شملت 51 امرأة و9 رجال، أعمارهم ما بين 20 ـ 61 عامًا، ممن تم التأكد أنهم من “مدمني التسوق” الذين يحتاجون إلى مساعدة وتدخل عاجل. كما وجد الباحثون أن إدمان التسوق أمر يتجاوز المستويات الاجتماعية ومستويات الدخل، وأن المدمنين يعانون بشكل عام من ضعف تقدير الذات.
- الأعراض
– شراء كماليات، لا ضروريات.
– إحساس بالسعادة خلال التسوق.
– التركيز على شراء الفساتين والأحذية والعطور.
– دخول المتجر لشراء شيء واحد، والخروج منه بأشياء كثيرة.
– تكرار شراء الشيء نفسه، ودون استعمال القديم والجديد.
– السعي لإخفاء أشياء وأغراض حتى لا يغضب الآخرون ممن ينتقدون هذا الإدمان.
– إنكار هذا النوع من الإدمان.
– إحساس بالحرج بسبب كل هذه الأشياء.
– هروبًا من مشاعر “الإنكار/ الحرج” قد يدخل “المصاب” في إدمان أمور أخرى.
– “هاجس التسوق” يصنع مشكلات ـ مالية اجتماعية ونفسيةـ كبيرة مع “المدمن”.
– تزايد الديون.
– عدم استقرار الأسرة، فمعدلات الخلافات الأسرية، عالميًّا وعربيًّا، بسبب النفقات المنزلية، وعدم قدرة الأزواج على تلبية المتطلبات المادية التي في تزايد.
- الأسباب
– الشعور بـالملل و”الفراغ”، بما في ذلك “الفراغ الوجداني”، حيث “الرغبة الدفينة في إشباع الذات أو الانتقام منها”.
– الشعور بالاكتئاب، وبالنقص.
– ضعف تقدير الذات، وعدم الثقة بالنفس.
– السياسات الاقتصادية والإعلانية.
- العلاج
– عدم الإنجرار للترويج “الإعلاني” للسير في طابور “الموضة”، واستهلاك ما تحدده شركات الإعلان، وليس وفق الإختيار “الحر المباشر”.
– تنمية الإرادة والعزيمة على أتباع أنماط الاستهلاك الرشيد.
– اختيار وقت ملائم للتسوق، فلا يكون في يوم مليء بالأنشطة المرهقة بدنيًّا وذهنيًّا. فأفضل أوقات الشراء تكون في أيام الإجازات والعطل.
– في فترات الراحة النفسية وصفاء الذهن، ثمة شعور عميق بالرضا عن النفس. وبالتالي سيتم إختيار ما يناسب دون التقيد بتقليد الآخرين أو ممارسة التسوق لمجرد التنفيس عن الضغوط.
– قبل الذهاب للتسوق ينبغي التفقد الجيد لخزانة الملابس حتى لا يتكرر شراء لونًا أو موديلاً ربما يوجد فيها ما يشبهه. فهذه المهمة ستيسر حسن التصرف في القطع المُهملة، وستفرغ مساحة للقطع الجديدة.
– التمهل وعدم التسرع في اقتناء كل ما يُعجب، بل الضروري والملائم، والمناسب ماليًّا.
– الشراء نقدًا، وليس ببطاقة ائتمان.
– التخلص من بطاقات الائتمان الزائدة، وتخصيص بطاقة تسليف واحدة للطوارئ.
– التجول في الأماكن التجارية من دون دخولها.
– إذا كان التسوق منفردًا يسبب الإسراف، فلا تذهب منفردًا، والعكس بالعكس.
– عدم الاهتمام كثيرًا برأي بائع السلعة، فغالبًا ما يحرص على إتمام عملية البيع. علاوة على عدم إدراكه لخلفيات كثيرة.
– الشراء بالتليفون أو الإنترنت لتحاشي “إغراء” مشاهدة الأشياء مباشرة.
– ملء أوقات الفراغ بالمفيد، والالتحاق بنادٍ أو مكان رياضي للذهاب إليه عند الشعور بالملل والسأم.
– استشارة طبيب نفسي عن الإحساس بالاكتئاب، و”الشعور بالذنب” بسبب الإسراف في الشراء.
– على القائمين على شان الإعلان تمويلاً وتوجيهًا وإدارة وتنفيذًا، أن يتبنوا رسالته الحقيقة، وليعلموا أنه وإن بدا ما يبثونه منتفشًا إلا أنه سيدمر نفسه بنفسه. إذ ليس ثمة ثوابت يقف عليها، ومعايير يرتكن إليها غير حالة تراكم “الربحية الجشعة”، وسيبقى المستقبل للرسالة الإعلانية المتسلحة بالقيم والمبادئ، وتحافظ على أسلوب الحياة الصحي المستديم.
وفي الختام.. يقول تعالى: “يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” (الأعراف: 31). وما أعظم هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس لابن آدم حقٌ في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء” (رواه الترمذي وقال: حديث صحيح)، “من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” (البخاري في الأدب المفرد الترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه). وبعد فهذه سطور لعلها تكون مفيدة لتقاوم “الإغراء، والإغواء الاستهلاكي الترفي” كي يزداد باستمرار عدد الذين ينتهجون أنماط الاستهلاك الرشيد، من أجل راحة النفس والضمير، والأسرة والمجتمع”.