لم يكن الدمشقيون على الجاهلية والأمية، بل كانوا على اتصال وطيد مع اليونانيين مما جعلهم مثقفين ناضجي الفكر والوعي، فلما قدم معاوية بن أبى سفيان إلى الشام ليكون واليًا لهم انتبه إلى كنوز المعرفة التي يمتلكه الدمشقيون، بل وجد في بيوتهم مكتبات وكتب تفيض بالعلم والمعرفة، وكان لمعاوية مكتبة خاصة في قصره الشهير قصر الخضراء، وكان فيها صالات مخصصة للمناظرة والنقاش إلا أنها كانت مفتوحة لفئة معينة، فنكهة دمشق كانت تفوح بالعلم والعلماء، وكما عرف عن خالد بن يزيد بن معاوية أمير دمشق الذي خسر الخلافة وخلدته الريادة العلمية أنه كان يجمع الكتب إلى جانب ما كان يتدرب ويجيد اللغات المختلفة من السريانية واليونانية، وكان بعيدا عن السياسة وضجاتها التي ملأت العالم الإسلامي آنذاك، فاعتكف في محراب الكتب، يقرأ ويكتب، وله إسهامات قيمة في فنون مختلفة من أهمها الطب والكيمياء والشعر والأدب، ويلاحظ هنا أنه ما كان لدى العرب رسائل تهتم بالكيمياء إلا التي كانت حبلى بالخرافات والأساطير، وتحدث عنه المؤرخ الكبير ابن كثير كان خالد بن يزيد أعلم قريش بفنون العلم، وله يد طولى في الطب، وكلام كثير في الكيمياء، وكان خالد فصيحًا بليغًا شاعرًا منطقيًّا”، فرغم اهتمام الحكام والرعايا بجمع الكتب واقتناءها لم تكن للدولة الأموية مكتبات عامة تذكر، وكان أكثر المكتبات خاصة، وذلك في القصر أو في بيوت العلماء حتى جاءت الدولة العباسية لترث عن الأموية الشغف والوله بالكتب وتؤسس حضارة علمية تنافس الحضارات العالمية.