دماغ الطيور يختلف عن دماغ الإنسان بالعديد من التفاصيل، من هذه الاختلافات عدم ارتباط الفص الأيسر مع الفص الأيمن كما هو الحال لدى الإنسان.. إن فصي الدماغ الأيمن والأيسر لدى الإنسان متصلان مع بعضهما البعض من خلال قسم اسمه (Corpus Callosum).
على الرغم من غياب قسم (Corpus Callosum) تشريحيًّا لدى البط، إلا أن هذا ليس دليل على عدم حصول تبادل معلومات عبر أقسام أخرى لهذا لا يكفي التدقيق التشريحي للدماغ ويتوجب القيام بفحص تجريبي يثبت عدم تبادل المعلومات بين الفصين الأيمن والأيسر.
لإثبات هذه الحقيقة التشريحية قام العلماء بتجربة على أفراخ البط؛ صغار البط بعد ولادتهم مباشرة يقومون بالبحث عن أمهم فيقومون بالتعلق العاطفي بأول شيء يتعرفون عليه بعد الولادة، تسمى هذه الظاهرة التطبع البنوي (Filial Imprinting).
قام الباحثون بتغطية عين فرخ البطة الأيمن وأحضروا دمية على شكل بطة لونها حمراء، هذه البطة وكما هو متوقع اعتبرت الدمية الحمراء أمها فكان من الملاحظ أن البطة تتجه إلى البطة الحمراء وتلحقها بالمقارنة مع دمية بطة أخرى ذات ألوان مختلفة.
العين اليمنى لدى البطة موصولة مع الفص الأيسر من دماغ البطة وهذا يعني أن البطة الحمراء (الدمية) أصبحت بمثابة أم فرخ البط في القسم الأيسر من الأيمن من الدماغ بحكم أن معلومة وجود بطة حمراء لم يصل إلى الشق الأيسر إذ إن العين كانت مغطاة في مرحلة التطبع البنوي.
الخطوة الثانية كانت بتغطية العين اليسرى التي رأى فيها الفرخ أمه الحمراء، وثم إحضار البطة الحمراء (الدمية) ومراقبة تفاعل الفرخ معها؛ إذا كان التفاعل طبيعي (كأمه) فهذا يعني أن معلومة التطبع البنوي (أن البطة الحمراء هي الأم) وصلت للفص الأيسر من الدماغ.
لاحظ الباحثون أن فرخ البط لم يعد يميز البطة الحمراء عن بقية الدمي المتواجدة وأصبح يتعامل مع جميع الدمى بنفس الشكل، ولم يعد يعتبر أن الدمية الحمراء لها قيمة معنوية إضافية، إذًا تأثير التطبع البنوي زال تمامًا عندما قام الباحثون بتغطية العين التي رأت البطة الحمراء في مرحلة الولادة.
في الطبيعة الطيور تستخدم عينيها اليمنى واليسرى معًا، ولذلك لا يشكل ضغط بقائي على الطيور إلا أن الفائدة قد تكون بقدرة الطيور على تخزين ذاكرتها بنسختين مختلفتين (فص أيمن وأيسر)، وهذا قد يساعد الطير على النوم النصفي مثلاً فينام القسم الأيمن ويبقى القسم الأيسر والعكس، وهكذا يبقى الطائر بحالة انتباه وحذر من حيوانات مفترسة تتربص به.