حديقة الأزهر.. جنة القاهرة الفاطمية

من يريد أن يبحث عن المتعة والهدوء والجمال والمساحات الخضراء فليذهب إلى “جنة القاهرة الفاطمية” أو حديقة الأزهر التي أهداها إلى القاهرة إمام الطائفة الإسلامية الشيعية كريم شاه الحسيني (أغا خان الرابع) والذى أعلن ذلك أثناء المؤتمر الذى عقد سنة 1984 تحت عنوان “العاصمة النامية مواكبة نمو القاهرة المدني”.

تكلف هذا المشروع 30 مليون دولار أمريكي وتعد هذه الحديقة أكبر مساحة خضراء أنشئت في القاهرة منذ قرن.

تقع الحديقة وسط مدينة القاهرة وعلى أطراف حي الدراسة على مساحة 71 فدان، على الجانب الغربي من المدينة الفاطمية القديمة، وامتدادها الدرب الأحمر بثروتهما من المساجد والأضرحة، ومزينة بخط طويل من المآذن وإلى الجنوب يقع مسجد السلطان حسن بالإضافة إلى قلعة صلاح الدين الأيوبي، والتلة المقام عليها الحديقة تعطى مشهدًا بانوراميًّا رائعًا للمناظر الجذابة للقاهرة التاريخية.

فكرة الأغا خان الرابع

في عام 1984 وأثناء زيارة البريطاني ذو الأصل الباكستاني الأمير كريم الحسيني والملقب دينيًا وسياسيًا بـ”الأغا خان الرابع” إلي مصر، وذلك لحضور مؤتمر خاص بمؤسسة أغا خان للتنمية، والتي تقوم بتمويل المدن التاريخية، هاله ما رآه حينما كان يقف أعلي أسوار القلعة، فموقع الحديقة كان يبدوا بما تحمله من قمامة ومخلفات وكأنه بؤرة شاذة وسط معالم القاهرة الأثرية، ولأنه الرئيس الروحي لمؤسسة أغا خان العالمية للتنمية، فقد اقترح بتنظيف هذه المساحة وتحويلها إلى واحة خضراء جميلة تكسوها النباتات والنخيل.

وفي عام 1996، تعاقدت مؤسسة أغا خان للتنمية مع شركة سايتس انترناشونال للاستشارات الهندسية والتي تقوم بتخطيط المدن، وقام بتصميم الحديقة الزوجين المصريين المهندس ماهر استينو، أستاذ التخطيط والدراسات البيئية بجامعة ميشيجان الأمريكية، والمهندسة ليلى المصري أستاذة التصميم العمراني بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى فريق كامل من شباب المهندسين، ليبدأ العمل عام 1998، ليتم افتتاح الحديقة في مارس من العام 2005، وبتكلفة بلغت نحو 30 مليون دولارًا أمريكيًا.

وفقًا للمُخطط العام لحديقة الأزهر، فقد راعي المهندس ماهر استينو وزوجته وفريق عمله تناغم خطوطهم مع طبيعة المنطقة، بحيث لا يتدخل في درجة ميل الأرض أو ارتفاعها، وهذا ليس جديدا على فنون العمارة الإسلامية، وإنما الفكرة مستوحاة من طُرز الحدائق الإسلامية التي تعتمد على الطبيعة، كما كان في الحضارة الأندلسية، بينما أماكن الجلوس المظللة التي يطلق عليها “التختبوش”، والطرق المغطاة التي تسمى بـ”البواكي”، فتأخذ النمط الفاطمي، كما يظهر جليًّا النمط الفارسي في سلسلة النوافير المنتشرة في الحديقة، بالإضافة إلى الأعمال الحجرية متعددة الألوان التي تعكس الذوق المملوكي، والحدائق الغارقة والممرات المائية المتقاطعة، لتلتقي توليفة الطرز المعمارية الإسلامية بشكل جريء في موقع وزمن معاصر.

وأثناء أعمال الحفر بحديقة الأزهر اكتشف العمال كشف أثري، حيث تم الكشف عن سور وأبراج الأيوبيين والذي يعود للقرن الثاني عشر في عهد صلاح الدين الأيوبي، كما ظهرت بوابتين من أبواب القاهرة وهما باب البرقية وباب المحروق.

كما تم اكتشاف العديد من الأحجار الثمينة بكتابات هيروغليفية ويصل أطوال بعضها إلى متر واحد، وتم استخدامها في بناء سور قلعة صلاح الدين الأيوبي.

مميزات الحديقة

تتميز الحديقة بموقعها في منطقة تاريخية حيث يستطيع الزائر من داخلها الوصول للسور الأيوبي الذى بناه صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر لحماية القاهرة من الشرق بالإضافة لمجموعة (أم السلطان شعبان) التي بنيت عام 1369 ميلادية والتي تعتبر من أرقى أمثلة العمارة المملوكية بالقاهرة ومجموعة “خاير بك” التي تنسب لأول حاكم لمصر بعد دخول العثمانيين وتضم المجموعة قصر وجامع وسبيل وكتاب .

ومن ناحية أخرى تتميز الحديقة بشكلها المعماري الإسلامي والبساتين البديعة وأماكن الجلوس التي تعود للعصر الإسلامي في الأندلس .

قام بتصميم هذه الحديقة المهندس المصري (ماهر استينو) وقام بالتنفيذ شركات مصرية واستوحى التصميم من نسق الحدائق الإسلامية التقليدية فبنى التصميم على أساس تنظيم المساحات المختلفة على نسق البستان التقليدي وأماكن الجلوس والطرق المغطاة (البواكي) ذات النمط الفاطمي والمستخدمة في مباني الحديقة، كما تنعكس العناصر الفارسية والهندية في تشكيلات العناصر المائية من خلال سلسلة من النوافير والأحواض والقنوات والبحيرات.

ويعتمد التصميم على وجود المحور الرئيسي (القصبة) الذى يربط الحديقة بالكامل من الشمال إلى الجنوب بعرض ثمانية أمتار على جانبيه صفين من النخيل المملوكي إلى جانب مقاعد جانبيه للزائرين يتوسطه ممرات وشلالات للمياه، وطرق ضيقة تبدأ من شمال التل إلى اتجاه القلعة في الجنوب ، ثم ينحني المحور الأساسي في اتجاه مآذن المدينة القديمة مؤديًّا بعد ذلك إلى بحيرة صغيرة على الهضبة المنخفضة الكبرى للموقع ماراً بحديقة أساسية مقسمة إلى أجزاء مستقلة تزينها الحدائق والمقصورات.

تتمتع الحديقة بشبكة من الطرق المتعرجة، والتي تصل إلى جميع المستويات المتدرجة في الحديقة، وتسمح بعبور السيارات، كما تتمتع بشبكة طرق للمشاة مرسومة بشكل دورانات مريحة تصل إلى جميع أنحاء الموقع، كما توجد ملاهي خاصة بالأطفال، ومطعمين أحدهم مصمم على الطراز الفاطمي، وآخر على ضفاف البحيرة الصناعية التي تبلغ مساحتها 600 متر، ليستمتع الزائر بالطعام على نغمات سيمفونية الشلالات الهادئة.

نباتات الحديقة

أما عن النباتات التي تم اختيارها، فقد تم إجراء العديد من الاختبارات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك لاختيار نوع النباتات التي ستناسب طبيعة التربة والمناخ، وأثبتت الدراسات الكثيرة من النباتات والأشجار التي يمكن أن تلائم الحديقة، لذا يوجد بالحديقة النباتات الصحراوية الجافة، بجوار النباتات الخضراء على المنحدرات الغربية، بينما في وسط الحديقة نجد أشجار الظل، كما زرعت أشجار محلية وغربية مثل الجميز والعناب، وأشجار السنا والصفيراء والأشجار اليابانية، بالإضافة إلى الأعشاب الطبية التي تتضمن الغار والبابونج والنعناع والليمون والزعتر والجهنميات ذات الألوان المبهرة.

تتنوع أشكال الحياة النباتية في الحديقة ما بين نباتات مصرية وأخرى غير مصرية جلبت من الخارج خصيصًا لهذه الحديقة نظراً لقدرتها على التأقلم مع المناخ المصري الجاف، فالخضرة تكسو حوالى ثلثي المساحة، كما تتنوع أنماط زراعة الحديقة من نباتات على الميول الغربية إلى مناطق خضراء بنباتات مورقة، وتنتشر أشجار الظل في المناطق المنبسطة في وسط الحديقة.

وتشمل الأنواع التي تمت زراعتها الأشجار المحلية كالجميز وأشجار الغاب وأربعة أنواع من السمت، وهناك أنواع أخرى تشمل أشجار السنا والصفيراء والأشجار اليابانية وتنعكس التقاليد البستانية للشرق والغرب في كثير من الأعشاب الطبية التي تتضمن الغاو والبابونج والنعناع وحشيشة الليمون والكسبرة والزعتر، وهناك أصناف كثيرة من الورود ، ويغطى جانب الربوة الغربية نباتات الزهور ونباتات الريان (الجهنميات) ذات الألوان المبهرة ويتم تنظيم الري عن طريق محطة خاصة بالأحوال الجوية بالحديقة.

وبالنسبة للمنتزه الرئيسي ومجموعة الحدائق الأساسية فيوجد عند طرفيها مطعم على قمة ربوة ومقصورة بجانب البحيرة، كما توجد نافورات المياه والأحواض وقنوات المياة الضيقة كما أقيمت بها ملاعب للأطفال ومسرحًا.

نسمة هواء منعشة

وأخيرًا.. تعتبر حديقة الازهر بمثابة نسمة الهواء المنعشة التي هبت على سكان القاهرة فعندما نجتاز بوابة الحديقة تستقبلنا مساحات وتلال خضراء، وبساتين غناء، ومشاهد خلابة للقاهرة، بعيدًا عن صخب المدينة في هذا المكان الذى ينعم بالهدوء والسكينة، لا تعتبر حديقة الأزهر مجرد حديقة عامة بها خدمات مميزة، بل إن بها العديد من المناظر التي جعلتها أبرز الأماكن التي يقصدها الشباب لتسجيل لحظات خاصة من حياتهم بفوتوسيشن الزفاف، فبذلك المشهد المطل على القلعة بألوانها المميزة، والبحيرة التي تتوسطها جعلها من أفضل الحدائق التي يمكنك التنزه فيها بوسط القاهرة.