المجتمع المسلم وهيكلية الحركة 

الحياة الإنسانية المعاصرة تعاني من مخاطر جسام، وعلى أكثر من صعيد في ظل اختلاط الرؤية، واختلاف التصور وغياب تشغيل العقل. وضعف مجال القراءة، والحكم على الأمور من زاوية واحدة ، وهي مخاطر تعيق حركة التنمية المستدامة، بل والنهوض الحضاري.

ومن الأسباب الموضوعية التي أدت لذلك: غياب بناء الذات، وغياب الإنسان القدوة، وغياب البعد الثقافي الذي يمثل حجر الزاوية نحو تحقيق أي تقدم حضاري في شتى مجالات الحياة، ومن أجل الابتعاد عن نقاط الضعف والتشتت، وغياب بناء الشخصية بل وبناء الذات،  وفي آن واحد نما من انسداد الآذان وانغلاق العقول وانهيار السلوكيات والأحكام المسبقة علي الأمور، والتقليل من شأن الأخريين، والوقوع في أسر الوهم الكاذب، ومن هنا نجد الحاجة ملحة لعملية تقويم ومراجعة للأفكار والسلوك وقياسهما بمنطق العقل والحكمة والعلم في ظل المستجدات المعيشية والحياتية التي طرأت على حركة الحياة المعاصرة والتي استجدت علي حركة المسلم، وما تربت عليها من بروز أفكار أصبحت تفرض التجديد في الوسائل والأساليب الثقافية.

وبناء الشخصية بل والذات بحاجة لأخلاقيات الفطرة الإنسانية؛ لأن التشرذم والاختلاف والضعف أساليب تدمر ولا تبنى والإنسان لديه قناعات فكرية بل آمال وطموحات ومهارات ومعارف، إن أحسن صياغتها لأمكن للإنسان امتلاك لغة التوازن، والإنسان دائما هو صاحب الرؤية الإيجابية ويمتلك لغة: الوضوح والبصيرة بعكس الإحساس الطاغي بالذات الفردية للإنسان مما يطمس عين البصيرة فيفقد الإنسان القدرة على الرؤية وتفلت من يديه الأفكار الصحيحة للمعرفة.

وبناء الشخصية بل والذات ضرورة ثقافية كي لا يقع الإنسان في مسالك الخلل ومنها تصديق الشائعات السيئة عن الأخريين،  والوسيلة لا تتحول إلي غاية بعلاقات من التنافر والتجاذب أو بالتحرك بالانفعال السريع، وبناء الشخصية والذات في آن واحد بحاجة لتربية روحية، وهي التي تتطلب العلم والثقافة وتطهير النفس كما أن الإنسان بحاجة لمعرفة نفسه الداخلية، وتقدير حركة الحياة والقدرة على تحقيق الاستخلاف الإلهي في الأرض فهل نفق من الغفلة؟

كما أن علل التدين المغشوش  والتطرف والغلو ساهما في أضعاف الشخصية  وإنهاك القوي المجتمعية، والمجتمع المسلم مر بفترة ازدهار ونماء بالاهتمام بالعلم والثقافة، ثم مر المجتمع المسلم بحالة من الضعف لغياب العلم والثقافة،  والإسلام جاء بكتاب هداية للناس كافة بفكر اجتماعي وأخلاقي واقتصادي ولبناء مشروع حضاري والله عز وجل ربط أعمال التغيير في حركة المجتمع بجهد الإنسان ونتاج عمله وفكره وثقافته، والعقل المسلم المثقف هو الذي يحقق التنمية والإنتاج والبناء، كما أن الثقافة تتصل اتصالا مباشرًا بكافة المجالات الإنتاجية  ومفهوم التقدم التقني والعلمي والتكنولوجي يتحدد من مخزون المعرفة لدي العقل المسلم،  كما أن تاريخ الحضارة الإسلامية يفرض على العقل المسلم أن يعيد قراءة تاريخ الأمة علميا وحضاريا وثقافيا ومن القراءة يستخرج الدروس المستفادة من أجل مواجهة التحديات المستقبلية، وقيم الإيمان للعقل الإنساني تمثل سبيل لتأسيس وبناء الحضارة، والإيمان دليل علي روحانية الله عز وجل  وحضارة الإسلام قدمت للمجتمع الإنساني فكرًا حضاريًّا له ارتباط بآليات العلم والعمل والتنمية، والعلم يمتلك تحديث الأفكار لتحقيق صالح الإنسان والمجتمع في آن واحد، والإسلام يدعو لتشغيل العقل ويحمل مسيرة تاريخ  وللتاريخ تحولات وانجازات لتشكيل مجتمع متضامن بنقاء أفكاره، وثقافة المجتمع المسلم ترفض التعصب والفرقة والتشتت والغلو والتطرف، ومن يتحرك بالتعصب يتحرك بفكر زائف  وفي الإسلام دعوة للاقتداء بالرسول (صلي الله عليه وسلم)

كما أن التزام العقل المسلم بكتاب الله الكريم والسنة المطهرة تمثل معيار التحرك بالحب الصحيح لله عز وجل. والإسلام دين توحيد واجتماع بعقيدة تنظم حركة الروح والعقل والجسد والإنسان مطالب بعمارة الأرض واكتشاف سنن الكون والرسالة رسالة خير وتبشر المؤمنون

والمجتمع وبناء الشخصية سبيل لتفعيل دور العقل لمواجهة التحديات المستقبلية، والفكر الواعي المستنير هو الذي يوجه حركة المجتمع لأفاق أرحب في شتي مجالات الحياة، ولمواجهة الأمواج العاتية التي تسللت في كيان المجتمع المسلم وبما يعوق حركة نماءه وتقدمه وازدهاره،  وهنا يأتي دور علماء ومثقفي الأمة لتبصير وعي العقل المسلم، وبث روح الانتماء والولاء والثقافة لها درجات متعددة لإرساء روح الوعي لدي أبناء المجتمع شبابًا وكهولاً ورجال ونساء  وفتيان وفتيات، ومن هنا تتكامل خطوط تواصل الأجيال لتحقيق مصالح المجتمع المسلم العليا، ومواجهة ضعف الحركة بحاجة لتقييم وتحديد نقاط ضعف الحركة والتي تعيق تقدم المجتمع وقد تكون المحن سبيلا لمواجهة الشدائد ومن سنن الكون الصعود والهبوط في حركة تعددية الأمم. وفكر الإسلام التربوي منهاج لنشر العدل والمساواة وحماية الفضيلة، وثوابت العقيدة قادرة على استيعاب التطلعات الحضارية من حيث الانتماء الروحي والانسجام مع فطرة الإنسان وتشغيل العقل.