مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن، عنوان لكتاب؛ ألفه فضيلة الدكتور محمد عبد االله دراز، “لتصحيح الأخطاء المتداولة في أوروبا عن كتاب الله عز وجل”، فهو “بحث في موضوع الرسالة الفرعية من رسالتي الدكتوراه اللتين تقدم بهما محمد عبد الله دراز باللغة الفرنسية إلى جامعة باريس (السوربون)، ونال بهما درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى في صيف عام 1947م”.
نشرته دار القلم بالكويت، سنة 1404هـ / 1984م؛ ويقع في 176 صفحة. وقد جاء الكتاب في ثلاثة أبواب؛ الأول: في حقائق تاريخية أولية، والثاني: في القرآن من خلال مظاهره الثلاثة الديني والخلقي والأدبي، والثالث: في المصدر الحقيقي للقرآن، وجاءت الخاتمة: لتبين حقيقة الإسلام، وأنه الدين الأوحد الذي لم يأل الرسل جهدًا في الدعوة إليه منذ نوح وإبراهيم حتى موسى وعيسى عليهم السلام. ويبطل كل المزاعم الخاطئة التي لُفقت له، لينتهي إلى أن منهج القرآن الكريم هو المنهج القويم، والنموذج الأخلاقي الأرقى.
استهل المؤلف رحمه الله تعالى كتابه بمقدمة؛ بيّن فيها منهج التعامل مع القرآن الكريم، والطريقة المثلى لدراسته، وتحدث عن بنائه الفكري. وقد رصد ذلك عبر مدخلين أساسيين، هما: اللغة والفكر؛ فقال: “نستطيع دراسة القرآن الكريم من زوايا جد مختلفة، ولكنها جميعًا يمكن أن تنتهي إلى قضيتين: اللغة والفكر، فالقرآن كتاب أدبي وعقدي في نفس الوقت وبنفس الدرجة”. والهدف من هذه الدراسة المباركة هو معرفة منهجية التعامل مع القرآن الكريم واستخلاص قانون أخلاقي قرآني يؤطر حياة الإنسان.
جاء الفصل الأول من الباب الأول يحكي عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، تحدث فيه عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن نسبه وشخصيته، والبيئة التي نشأ فيها. وشرع يحكي عن ظروفه الاجتماعية والمادية، وعن خلقه الرفيع الذي تميز به منذ صباه عليه الصلاة والسلام.
ثم ناقش رحمه الله قضية نزول الوحي على النبي الكريم، أول اتصال له مع ما وراء الكون، مع الوحي الحقيقي، وكيف هيئه الله عز وجل لحمل هذه الأمانة العظيمة، وتبليغها للناس.
وفي الفصل الثاني تناول المؤلف رحمه الله مسألة جمع القرآن الكريم، فشرع في وصف كتاب الله تعالى. وقدم عرضًا تاريخيًا موجزًا لعناية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم بالوحي، يقول رحمه الله تعالى: “غير أن النص المنزل لم يقتصر على كونه قرآنًا أو مجموعة من الآيات التي تُتلى أو تُقرأ، وتحفظ في الصدور، وإنما كان أيضًا كتابًا مدونًا بالمداد، فهتان السورتان تتظافران وتصحح كل منهما الأخرى. ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين، أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه على أي شيء كان في متناول أيديهم، مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صحائف الحجارة وكسر الأكتاف..”.
ثم تحدث عن جمع القرآن الكريم في عهد الخليفة الأول أبي الصديق رضي الله عنه، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتوحيده للمصاحف، واستنساخها، ونشرها في الأمصار. وكان هذا من عثمان رضي الله تعالى عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار، وجِلّة أهل الإسلام، وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح، وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطرح ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأيًا سديدًا موفقًا، رحمة الله عليه وعليهم أجمعين.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد لعب دورًا مهما في مسألة جمع القرآن الكريم والعناية به.
ثم ناقش المؤلف رحمه الله قضية توحيد عثمان رضي الله عنه للمصاحف، وأورد بعض الشبهات المثارة حول هذه القضية، ورد عليها بمنطق فهمي سليم، وأسلوب علمي رزين، وبيّن فضل هذا العمل الراشد على الأمة الإسلامية في توحيد كتابها الكريم، ولم شملها وسد باب الشقاق والنزاع بين أبنائها.
أما الفصل الثالث: فقد جاء في بيان حقيقة الإسلام، وبيان مبادئ تبليغ دعوته إلى العالم. حيث رصدها المؤلف من كل الجوانب، مركزًا على الجانب الأخلاقي؛ بما يحمله من قيم السلم النبيلة والتسامح والحوار والجدال بالتي هي أحسن، والتنظيم السياسي والاجتماعي وغيرها… مُصحِّحًا بذلك الاعتقاد السائد في العالم الغربي؛ أن الإسلام يدعوا إلى الحرب وحمل السلاح، وفرضه بالقوة، وهذا في الحقيقة سوء فهم ينبغي تصحيحه. يقول المؤلف: ( والرجوع إلى النص القرآني يوضح لنا الموضوع والهدف والحدود التي يستهدفها التشريع القرآني من وراء القتال، فيقول الله عز وجل: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾ الآية (سورة البقرة، 190-194). فلا نجد في أي مكان في القرآن الكريم إذنًا بالبدء بالقتال، وإنما الأمر هنا محدد بموقف الخطر العدواني.
فتجد الإسلام يُحرم الاعتداء والبدء بالقتال، وفي حالة اضطر المسلمون إلى القتال نجد أخلاقًا رَفيعة في التعامل مع العدو؛ فحرّم الإسلام إيذاء النساء والأولاد والشيوخ والرُّهبان، وكذا الحيوان والشجر والزرع وغير ذلك…، “بل ذهب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حد أوصى بتحريم ملاحقة العدو الهارب من ساحة القتال”.
فوضّح المؤلف رحمه الله أن الإسلام جاء ليحرر الناس من عبادة الناس، إلى عبادة رب الناس، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. ويحفظ لهم حقوقهم، ويوفر لهم المساواة والعدل والحرية والكرامة الإنسانية …، يقول رحمه الله: (لا يوجد شيء يعادل تبادل الأفكار في سلام وحرية).
وفي الباب الثاني الموسوم بـالقرآن من خلال مظاهره الثلاثة الديني والخلقي والأدبي؛ نجد المؤلف قد تناول فيه عدة قضايا، أهمها: قضية الوحدة الدينية، فأشار إلى أن جميع الأنبياء أمةً واحدةً، وأن الكل يعترف بوجود إله أعظم خالق للكون مدبّر لشؤونه، وهذه فطرة توجد نواتها في أعماق النفس الإنسانية، كما أشار أيضًا إلى أن الفرقة لا تنشئ إلا التعدد والتّضارب والتقابل، وهذا أمرٌ ينافيه العقل وتأباه النفس السوية. يقول المؤلف: (ولهذا نرى القرآن يؤسس دعوته إلى التوحيد على تاريخ الأنبياء في كل الأزمنة السابقة فيتجلى بوضوح أن العقل والنقل يشاركان القرآن في إثبات عقيدة التوحيد، ورفض الوثنية والإشراك على اختلاف صورهما).
ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن العنصر الأخلاقي في القرآن الكريم، سواء في السلوك الشخصي، أو في المعاملة مع الغير، وبيّن فضل الإيمان في سلوك الإنسان. ووضح لنا المنهج الأخلاقي القرآني، القائم على التمييز بين العدل والظلم، والخير والشر…، استنادًا على الضمير الأخلاقي. وكيف أن هذا العنصر الأخلاقي عامل مشترك بين جميع الديانات، نجد له صدى في الكتب السماوية السابقة يكاد يتطابق وتعاليم القرآن المجيد.
فقام المؤلف رحمه الله بدراسة مقارنة بين نصوص التوراة والإنجيل، ونص القرآن الكريم، فتبين أن هناك مشتركًا أخلاقيًا، يتضح ذلك من خلال الأمثلة التالية:
جاء في سفر الخروج، الفصل 20: (لا يمكن لك آلهة أخرى أمامي)، وقوله تعالى: ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ [سورة الإسراء: 23]. وجاء في إنجيل متى 5/9: (طوبى لصانعي السلام)، وقوله عز وجل: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس﴾ سورة النساء: 114.
وهذه الأمثلة توضح لنا أن هناك قانونًا أخلاقيًا مشتركًا بين كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد، تولى القرآن الكريم إعلان هذه القاعدة الكاملة واعتنى كل العناية بتوضيح عناصرها وضبط أسسها. “وإتمام وإنهاء الصرح الإلهي الذي بناه الرسل والأنبياء على مرّ العصور. يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال).
بعد ذلك وبيّن المؤلف رحمه الله الجديد التقدمي الذي جاء به الإسلام في تعاليم القرآن، ووضح ذلك في ملاحظات مختصرة، الأولى: في مجال الفضيلة الشخصية، والثانية: في بيان الفضيلة في العلاقات بين الأفراد، والثالثة والرابعة: في الفضائل الجماعية والفضائل العامة؛ وضح فيه المشترك الأخلاقي الذي جاءت به الرسالات السماوية السابقة (التوراة والإنجيل)، وجمعه القرآن الكريم جمعًا موفقًا، يعلمنا كيف نتعامل مع إخواننا في الآدمية، رغم اختلاف المشاعر الدينية، ينبغي أن نتبادل المحبة والإحسان كإخوة في الإنسانية. يقول المؤلف رحمه الله: (إن هذا الجمع الموفق بين الفضيلة العامة والفضيلة الجماعية هو الذي أبرمه القرآن الكريم؛ إذ يعلمنا في الواقع أن خارج الأخوة في الله توجد الأخوة في آدم، وأن اختلاف المشاعر الدينية لا يجوز أن يحول بيننا وبين أن نبادل إخواننا في الإنسانية المحبة والإحسان”.
أما الخامسة: فقد جاءت حول الفضيلة في المعاملات الدولية وبين الأديان، وهذا مما امتازت به الأخلاق الإسلامية عن غيرها، في الدعوة إلى السلم والصلح واحترام المواثيق المبرمة مع الآخر حتى ولو كان عدوا، وقد تضمن القرآن الكريم مبادئه الأساسية وضوابطه المنهجية.
وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف رحمه الله عن الجانب الأدبي للرسالة المحمدية الخاتمة، التي تتمتع بسحر فني على مستوى الشكل الخارجي؛ الذي يقدم نموذجًا أدبيًا رفيعًا، بأسلوب بياني واضح بليغ. وبيّن أن الدعوة الإسلامية جمعت بين جمالية المظهر الخارجي والجوهر الداخلي، الذي يشبع حاجة كل من يفهم اللغة العربية، في حُلة أدبية راقية، طالما أبهرت بجمال أسلوبها أرباب الفصاحة والبلاغة على مرّ العصور والدهور. يقول المؤلف: (والدعوة الإسلامية تتمتع في هذه الناحية بالكمال الذي لا تشوبه شائبة، فبمظهرها وجوهرها تُشبع حاجة كل من يفهم اللغة العربية. والقرآن – حامل هذه الرسالة – كاف وسيظل النموذج الذي لا يبارى في الأدب العربي، فبجمال أسلوبه يحمل إعجاب الجميع في كل العصور). وقد أدرك الكفار ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، “واختلفوا في التماس التفسير والتعليل له، إذ وجدوه ظاهرة غريبة إلى درجة أن أطقوا عليه سحرًا”، ويبقى الاعتراف بسمو وجلال وهيبة أسلوب النص القرآني، “وكأنه شعاع من الشمس يمر خلال ضوء منبعث من نجفة من الشموع. إذ نلحظ في القرآن في الحال لهجة فريدة لا تنبعث من قلب رجل، وليست سوى نفحة ربانية”.
وأشار المؤلف بعد ذلك إلى مسألة في غاية الأهمية، مفادها: أن القرآن الكريم يعالج أكثر من موضوع في سورة واحدة، فنجد سُوَره تتنوع موضوعاتها ولا تخضع لا إلى الترتيب التاريخي ولا إلى الترتيب المنطقي البسيط المبني على تجانس الموضوعات. فقال: (مما يدعون إلى ترجيح وجود تصميم معقد يكون قد وُضع في وقت سابق لنزول القرآن على قلب الرسول). وهذا دليل قوي على أن القرآن الكريم من عند الخالق عز وجل، المنزه عن الزمان والمكان.
فلا شك أن طريقته – أي القرآن – ليس لها مثيل على الإطلاق، فلا يوجد أي كتاب علمي أو أدبي أو غير ذلك، يمكن أن يكون قد أُلف على هذا النحو الذي يمتاز بطراوة لغوية وتناسق موضوعي بديع، وسحر صوتي أخّاذ تطمئن إليه القلوب.
ثم جاء الباب الثالث والأخير موسومًا بالمصدر الحقيقي للقرآن، أثار فيه المؤلف رحمه الله عدة إشكاليات، نذكر منها ما يلي:
كيف لا تنسب كلمات القرآن والأفكار التي يتضمنها إلى الشخص الذي جاء به؟ وكيف يمكن أن نجعل من هذا الإنسان مجرد أداة استقبال يقدم كتابه جاهزًا وتامّا من مصدر خارجي وغير بشري؟
وأشير هنا إلى أن ما جاء في الفصل الثالث من الباب الثاني؛ حول الجانب الجمالي والأدبي للقرآن الكريم خير دليل على أن مصدر هذا الكتاب رباني من عند الله جل جلاله، لأن أسلوبه البديع ومضمونه البليغ يفوق قدرات الطاقة البشرية المحدودة.
ثم أشار رحمت الله عليه إلى أن الغرض من هذا الباب هو: “دراسة مختلف الحلول في شكلها الحاضر…متتبعًا في هذا الصدد الترتيب الزمني، فقسمه إلى فصلين؛ الأول: عن المرحلة المكية، والثاني عن المرحلة المدنية”.
– المرحلة المكية: بيّن المؤلف في هذا الفصل حالة العرب قبل البعثة، وتحدث عن الوثنية التي كانت سائدة بالحجاز، فذهب إلى القول بأنها لا تقدم أي تفسير سليم عن مصدر القرآن الكريم. ثم سعى إلى الرد على شبهات المستشرقين التي كانت بدورها تسعى إلى إيجاد مصادر جديدة للقرآن؛ كالتقاء محمد صلى الله عليه وسلم ببعض علماء اليهود والنصارى. وكَشَفَ عن قصور هذه الديانات التي يدين بها هؤلاء، وعجزها في ذاتها، فضلًا عن أن تكون مصدرًا للشريعة الإسلامية. يقول رحمه الله: (فحيثما اتجه ـ أي الباحث ـ وجد ضلالًا يحتاج إلى الهداية، وانحرافًا يتطلب التقويم. ولن يجد أبدًا نموذجًا أخلاقيًا دينيًا يصلح لأن ينقله محمد صلى الله عليه وسلم أو يبني عليه نظامه الإصلاحي). وبيّن أن هذه النماذج قد تهدم أكثر مما تصلح لِما كان يشوبها من انحراف وضلال ووثنية وغير ذلك.
في حين نجد ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يمثل نِظامًا تشريعيًا أخلاقيًا، يتسم بالثقة والوضوح والفاعلية، لا يستطيع أي عقل بشري “مهما بلغ من الصفاء والقوة أن يخطوا خطوة واحدة في هذا السبيل، بمثل هذه الثقة وهذا الوضوح مالم يكن له عون ومدد من تعاليم إيجابية خارج نطاق البشر”.
– المرحلة المدنية: بعد أن بحث المؤلف رحمه الله عن احتمال وجود مصدر للقرآن في الفترة المكية، غير الوحي، وتلقي محمد صلى الله عليه وسلم لتعليم بشري، خَلُص إلى القول بضعف هذا الاحتمال ووهنه، لذلك وجب استبعاده. لننتقل بعد ذلك من بيئة وثنية جاهلة عنيدة، إلى جوٍّ ودود مرحب فيه بالرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، يحوطه فيه أتباعه المخلصون، “ومنذ ذلك الحين اتصل بطائفة منظمة دينيًا. ولها كتابها المقدس، ألا وهم يهود المدينة، فهلا نجد في هذا العهد الجديد، وهذا الوسط الجديد، فرصة سانحة لعقد بحوث تاريخية، وإجراء تقريب بين المبادئ المتحاورة؟”.
ونشير في هذا المقام إلى أن القرآن الكريم قد حذّر من اليهود في أكثر من مناسبة، فتساءل المؤلف “أليس من الغريب أن نفترض أن هذا الشعب الذي يقف القرآن منه هذا الموقف الصارم يمكن أن يكون نموذجًا يحتذي به محمد صلى الله عليه وسلم ومصدرًا لتعاليمه؟.
فأورد عدّة ملاحظات أبداها الكتّاب الغربيون سعيًا في إيجاد علاقة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب تلقى عن طريقها العلم عنهم، فردّ وعلّق عليها، وفنّدها بالدليل الواضح والحجة القوية والبرهان المنطقي.
فخلص إلى القول بأنه قد يوجد اتفاق في بعض الأشياء، لأن القرآن الكريم جاء مصدّقًا ومهيمنًا على الرسالات السابقة، لقوله تعالى: ﴿إن هذا لفي الصُّحف الأولى صُحُف إبراهيم وموسى﴾ [الأعلى:18-19]. وأشار إلى مسألة في غاية الأهمية وجب التنبيه عليها وهي؛ أن الاتفاق شيء والاقتباس شيء آخر، وأن بينهما اختلاف كبير، فيقول: (ولكن الاتفاق شيء والاقتباس شيء آخر، وبينهما فراغ شاسع لم يحظ – حتى الوقت الحاضر على الأقل – بأن يجد من يملأه).
وجاءت الخاتمة لتؤكد حقيقة الوحي، وتبطل ما أحاط به من مزاعم المخالفين ومكائد المناوئين. وأنه المصدر الحقيقي لتعاليم الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فبمجرد أن يتلقى علمه من الوحي نراه يبلغ رسالته في ثقة وقوة، فتراه يقف موقف المعلم المربي لجميع العالمين.
وانتهى فضيلة الدكتور محمد عبد الله دراز من خلال هذه الدراسة القرآنية المباركة إلى أن منهج القرآن الكريم ينهض دليلًا كافيًا على مصدره الرباني، ويقدم لنا نموذجًا أخلاقيًا راقيًا، يتسم بالعالمية والشمول، يقول الله تعالى: ﴿إنّ هذا القُرآن يَهدي للّتي هي أقْوم﴾ (سورة الإسراء: 9).