التربية الجمالية في الإسلام

قبل الحديث عن أسس التربية الجمالية في الإسلام، تجدر الإشارة إلى توضيح معنى التربية الجمالية حتى يستثنى لنا التعرف على الهدف الذي ينشده الإسلام من وراء هذا النوع من أنواع التربية.

فالتربية الجمالية تعبير يقصد به الجانب التربوي الذي يرقق وجدان الفرد وشعوره، ويجعله مرهف الحس، مدركًا للذوق والجمال، فيبعث ذلك في نفسه السرور والارتياح، ويرتقى وجدانه، وتتهذب انفعالاته، وكل هذا يساعد على قوة الإرادة، وصحة العزيمة.

ولعل الثمرة التي تنتجها شجرة الجمال في الإسلام، يحتاج إليها المسلم في شؤون حياته العامة والخاصة، لأنها تكسبه القدرة على الإبداع في العمل، والاتقان في الصنعة.

ويمكن القول بأنه كي يستطيع الأفراد الإبداع في ميدان الصناعة والبناء لابد من التربية الجمالية، أو تكوين احساس جمالي عندهم، لأنه كلما زاد الاحساس الجمالي عندهم ذادت قدرتهم في الإبداع الجمالي.

وفى ضوء ما تقدم نخلص إلى أن التربية الجمالية الإسلامية تقيم علاقة وثيقة بين الإنسان والكون تقوم على التعاطف والحب والرحمة، وكذلك التكافل الحميم الذي يؤكد روح الود والانسجام بين كل منهما.

أسس التربية الجمالية في الإسلام

حظى الإسلام بأسس التربية الجمالية منذ الوهلة الأولى التي خاطب فيها الكيان البشرى بلسان عربي مبين، وتجلت كلماته بشحنات وجدانية خاصة وقدرة على استثارة الصور الخيالية والمعاني القيمة.

وعندما نزل الوحي الإسلامى عربيًّا يبث في الكلمة العربية اعجازًا الهياً وتحولت الكلمات الى نوافذ تكشف المفاهيم الكامنة صورة ومعنى وخيالاً.

فكلمة الله جل جلاله أو لا إله إلا الله أو ليس كمثله شيء ليست كلمات تبعث معنى فحسب، بل هي تكشف طريقًا لا نهائيًّا للسير خلاله بواسطة الحدس مرتقيًّا من اللفظ إلى المعنى، ومن التجريد إلى القيمة، بحيث يكون شكل الكلمة الجمالي في خدمة مضمونها الروحي.

وهذا الأسلوب الفني المنزل من قبل الله سبحانه وتعالى، يؤكد أن الإسلام منهج تربوي جاء ليهدي النفس كمالاتها عن طريق إحدى أنواع التربية التي جاء بها، وهى التربية الجمالية التي جاءت في الإسلام على طريقين هما:

1- طريقة التأمل في المخلوقات تمثيليًّا

ويقصد بذلك دعوة القرآن الكريم للنظر والتدبر في آيات الكون ومفردات الطبيعة والانفعال بها، لأن ذلك يربى عند الانسان شعورًا جماليًّا يتمثل في الانسجام الدافئ بينه وبين الطبيعة، ويقوده – من خلال جمالها – إلى معرفة جلال الله تعالى ومن خلال تنوعها إلى إدراك وحدانيته سبحانه.

وهناك كثير من الآيات القرآنية تسعى إلى توضيح كل الأشياء التي تصب في نظام واحد يفضي بالجمال إلى الجلال.

فقد يكشف جمال قوقعة صغيرة، أو جما طير رقيق من جلال الله وعظمة خلقة، وهذا ما يجب أن يعيه المصور المسلم حتى يمكنه أن يتدبر الجمال في فلك الجلال، وأن يجعل من الأول جسر عبور إلى الثاني حتى تصبح الجماليات بحسب المنهج الإسلامى الحقيقي موضوعًا لمستوى آخر من الإدراك أدق وأعلى إلى تحويلها من الجمال إلى الجلال بالانتقال من الحسي إلى الوجداني.

والانتقال من الحسي إلى الوجداني توجيه يخاطب النزعة الجمالية في الإنسان ويذكى روحها ويقوى أعضائها فهو بمثابة التربة الخصبة التي يمد بزورها بما يؤهلها للإنبات والنمو حتى تصبح أشجار ذات ثمار يانعة.

2- طريقة تأمل الموجودات تجريديًّا

ويقصد بذلك قراءة آيات الكون من منظور عقلي معنوي للمعاني والقيم المجردة التي تستتر خلف المحسوسات وغير المحسوسات.

وهي قراءة جادة ونافذه يسمو فيها الإسلام بملكات العقل، ويرقق بها مشاعر ووجدان الكائن البشرى ليتحسن صور الجمال المختلفة والمتنوعة فيما حول هذه الآيات.

ويمكن القول – في ضوء ما سبق – إن الرؤية الإسلامية للقيمة الجمالية رؤية خصبة وحيوية، الأمر الذى يؤدى – بالضرورة إلى ثراء وتنوع الخبرة الجمالية “فهناك طرق متعددة للإدراك الحسي والمعنوي، والتعبيري والحدسي – تجسد الخبرة الجمالية التي تحرص على أن تخاطب الناس على قدر عقولهم، وعلى اختلاف مشاربهم وميولهم، أو احساسهم أو ثقافتهم، فتضمن الخبرة بدورها ضربًا تربويًّا للارتقاء بالنفس المتلقية من مستوى إلى آخر، وكذلك بعدًا جدليًّا للحقيقة يمارسه المتلقي بين وجهيها التمثيلي والتجريدي، الكمي والكيفي، الحسي والمعنوي, الانفعالي والحدسي.

وهذا يجعلنا نقرر أن الجمال في الرؤية الإسلامية هو “تدريب للذات على الترقي من المحسوس إلى المجرد، ومن المتناهي إلى اللامتناهي، ومن الجميل الفيزيقي إلى الجليل الميتافيزيقي.

وهذا التنوع في النظرة التأملية التي دعا إليها الإسلام من خلال إحدى صور منهجه التربوي تستجيب له الفطرة الإنسانية وتهش له، وتسعد به النفس وتسكن إليه، لأنه – التنوع – يقضى على الالف والعادة اللذان يفسدان التطلع إلى التذوق بالجمال والتمتع به، وهذا يؤدى الى تبلد المشاعر والأحاسيس، ومن ثم جاء الإسلام بهذا المنهج المتميز من التربية الجمالية.

الهوامش

  • أضواء على التربية في الإسلام، لعلى القاضي، دار الانصار، القاهرة، 1979 م، صـ60.
  • فلسفة فن التصوير الإسلامى، لوفاء إبراهيم، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1992 ص: 25.