شاب في الثلاثين من عمره، كانت تجمعنا بعض المذاكرات التربوية أو مجالس ذكر هنا وهناك.. شاب عادي، وضيء المحيا عليه قبس من نور خلق الحياء لا يخفى. أناقتة لافتة للنظر..، يختار ألوان ملابسه بذوق عال جدا، صموت! كأنه يسبح في النور.
دون ترتيب رافقته إلى بيته بدعوات كريمات منه في أوقات متأخرة من الليل عدة مرات، والشهادة لله أنه كان يحترمني كثيرا وكنت أحس حرصه على إكرامي ربما لأنه يعرف معنى كلمة “غربة” ربما. كان يسكن في حي باريسي متوسط، أول الأمر ظننت الأمر مصادفة، فهو يسكن في الطابق الرابع، لكنه لم يقترح أن نأخذ المصعد إلى فوق عجبا!، بل صعدنا الدرجات تلو الدرجات في سكينة حتى أنه كان يتحرى أن لا نحدث أي صوت.
في خروجنا لصلاة الفجر أيضا كرر نفس السلوك. توالت الزيارات حتى صار عدم استعمال المصعد أمرًا عاديًّا عندنا رغم تحفظي على الأمر وعدم تجاسري على السؤال.
ذات سمر في مجلس أنس بالله؛ رفعت الكلفة تلقائيا، فسألته عن سر صنيعه، فقال بالحرف: “إن المصعد يحدث صوتًا عاليًّا قد يزعج الجيران، وأنا المسلم الوحيد في هذا السكن.. فأنا أستحيي أن أزعج عجوزا أو أوقظ نائما، فإن إيذاء الجار من الكبائر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. متفق عليه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول لله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. رواه البخاري، وزادني من الشعر بيتًا ومن الذوق شوقًا، فقال: لست أفعل ذلك كي يعلموه، أو طمعا في أن يدخلوا الإسلام، فنحن نعامل الله يا صاحبي”.
درس عجيب من شاب غريب..
جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: “بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، وفي اللفظ الآخر: يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، وفي لفظ آخر: هم النزاع من القبائل، وفي لفظ آخر: هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير”. اللهم اجعلها منهم يارب العالمين.