صلة الرحم من الأخلاق التي أمرنا بها ديننا الحنيف، وقد نصت عل ذلك مجموعة من النصوص الشرعية، كلها معروفة مشهورة، منها قوله تعالى:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(النساء: 1)، وقوله تعالى أيضًا:(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)(الرعد:21)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” (رواه البخاري ومسلم)، وقوله : “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”(صحيح البخاري)، وقوله: “لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا” (رواه البخاري)
والصلة والوصل معناه، التواصل مع ذوي الرحم وزيارتهم والسؤال عن أحوالهم، وتقديم المساعدة لهم حسب المستطاع ودرجة القرب؛ لأن المقصد الأساسي من صلة الرحم هو تحقيق التعاون والألفة والمحبة، لكن -وكأي عبادة أخرى- عرفت صلة الرحم نوعًا من التقصير والرياء وحب الظهور، حال دون تحقيق مقاصدها الأصلية، خصوصًا في هذا العصر الذي سادت فيه التكنولوجيا.
فقديمًا كان السؤال عن الأهل والأقارب بالزيارات المباشرة، بحيث يتمكن الزائر من الاطلاع على أحوالهم المادية والاجتماعية عن قرب، والجلوس معهم والاستماع إليهم ومشاركتهم الأحزان والأفراح، أما اليوم فاستعاض الناس بالتقنيات عن الزيارات واللقاءات، وأصبح الاكتفاء بالتواصل عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي، ولا يزورون أقاربهم إلا في المناسبات الضرورية إن لم نقل المناسبات الحزينة للأسف؛ الأمر الذي أدى إلى مزيد من القطيعة.
فما قيمة الرسائل القصيرة مع الآباء والأمهات والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم؟ ما قيمة الرسائل القصيرة مع إنسان مريض لا يجد ثمن العلاج، أو حزين لا يجد من يستمع إلى همومه وشكواه؟ فكم من شخص على الفيسبوك نقل لنا مشاعر الحزن والأسى على وفاة أحد أقاربه الذي لم يزره إلا في جنازته، طامعًا ومستجديا الدعوات والرحمات أملاً في شهرة مزيفة؛ حتى إن إحداهن كتبت ترثي عمها الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض، وتسأل المتابعين الرحمة والمغفرة؛ مع أن عمها الذي من لحمها ودمها فقير مقعد لا زال على قيد الحياة، وقد اشتكى مرارا وتكرارا من عدم زيارتها له والسؤال عنه، وما الشخص الذي ترحمت عليه سوى صديق أبيها الغني.
علموا أبناءكم وربوهم على صلة الرحم بالزيارات المستمرة، علموهم أن يشاركوا أقاربهم الأفراح كما يشاركوهم الأحزان والأقراح، علموهم أن “الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ”(رواه مسلم).