إنّ اختلاف أيديولوجيات البشر تجعل الحكم على ماهية الأشياء والمناهج والأحداث سواء المادية منها أو المعنوية مختلفاً ومتفاوتاً، بل وأحيانًا متضادًا، والجمال والقبح مِنْ هذه الأشياء. ولاختلاف الأيديولوجيات لمْ تكنْ ثقافة الجمال ثابتة وكذلك ثقافة القبح، فما هو جميل عند قوم فهو قبيح عند قوم آخرين والعكس. والخلاصة إنّ معالجة رؤية الأشياء عن طريق القلب والعقل معًا هى التى تحدد ماهية هذه الأشياء ومن ضمن هذه الماهيات الجمال والقبح.
فالخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الجمال والقبح كل هذه المسميات معنوية وهى عبارة عن المعنى الجميل ونقيضه القبيح، وهذه فيها الخلود والجوهر والثبوت، فلا يمكن أنْ يُقال عن الحق باطل والعكس، كما أنّ الحق أو الباطل لا يموت.
والسماء والأرض، الليل والنهار، الشمس والقمر، كل هذه مسميات مادية لها مدة فى بقائها، فالشمس سوف تفنى وكذلك تُطوى السماء والأرض، وقد يطول الليل فيلغى النهار، كذلك فهى غير معرّفة فكلها مسميات أطلقها البشر عليها لما تتميز به من خصائص فى ذاتها. وتلبس الماديات ألف وجه فهى تتغير على الدوام، فالسماء مثلاً قد تتجمل فى بعض الأحيان وأحيان أخرى تقبح.
أمّا الجمال المعنوى ونقيضه فإنّ هذا أو ذاك قد يبدو مشوهاً، فالصبر معنوىّ قد يوصف بالجميل وقد يوصف بالقبيح، فالثبات والآصالة والخلود ثابتة فى ذات المعنويات ولكنّ الذى يتغير هو الوصف، ولنضرب مثلا بـ”الصبر الجميل والقبيح” فنجد أن الأصل هى كلمة الصبر، والوصف هو الجميل أو القبيح فظلَّ الأصلُ ثابتاً ولكنّ الوصف هو المتغير.
إلا أنّ الوصول إلى الجمال الحقيقي ليس بالأمر الهين أبدًا، إذ إنّ الوصول إليه هو أعلى مراتب الفضيلة وهناك عقبات وتحدّيات تحول دون الوصول إليه، فأحيانًا يلبس القبح رداء الجمالِ رغبة فى كسْب مادىّ أو معنوىّ فننخدع فيه ونعيش حياتنا فى قبح متواصل دون أن ندرى. وأحيانًا أخرى نجدُّ فى البحث عن الجمال فلا نجده وهذا معزوّ فى الأساس إما لانتكاس همتنا وعزائمنا إذا طال أمد البحث وإمّا لاختفائه.
فلتأخذ الضمائرُ الحية بيد الضمائر الميتة للبحث عن الجمال ونبذ القبح وليحاولوا معهم مرارًا وتكرارًا…