لم يكن الأستاذ فتح الله كولن ليرضى يومًا بتخلف المسلمين عن ركب الإنسانية، أو تقاعسهم عن اللحاق بقافلة التطور والنمو، الأمر الذي دفعه بشدة إلى رسم خارطة فكرية وروحية تساعدهم على الخروج مما هم فيه، وتجعلهم قادرين على امتلاك ناصية أنفسهم، ليكونوا من جديد عينًا للعالم وقلبًا للكون.. ويواظب كولن في مقاله المتصدر هذا العدد من حراء على رسم هذه الخارطة، ليقف على داء ينخر بنية الأمة دون توقف، وهو “الجهالة” التي وصفها بـ”كارثة كل الحقب والأزمان”. يقول كولن عند وصفه الدواء لهذا الداء: “ما لم يتم تنوير الجماهير وإرشادُ الأجيال إلى فكر الأمة والوعي بالتاريخ، وما لم يتم الحيلولة دون كل التيارات السلبية التي لا تتواءم مع “الجذور الروحية” لهذه الأمة، فلن نتفلت من الأزمات المحدقة بمجتمعنا، ولن نتخلص من الأمراض التي أصبحت حلقة مفرغة فاسدة”.
وأما “صهباء بندق” فتتناول في مقالها العلمي “الساعة البيولوجية سيمفونية الجينات والمجرات”، آخر ما وصل إليه علم وظائف الأعضاء، وكيف زاوج العلماء هذا العلم مع تقنيات البيولوجيا الجزيئية وعلم الجينات باستخدام ذباب الفاكهة كنموذج بيولوجي، ليكتشفوا مكونات بروتينية تتحكم في آلية عمل الساعة البيولوجية”.
وقد أمتعنا “ناصر أحمد سنه” بمقاله الشيق “أنت تأكل بدماغك”، حيث أشار إلى الدراسات العلمية التي أبانت عن وجود أكثر من مليون خلية عصبية تبطّن القناة الهضمية التي اعتُبرت دماغًا ثانيًا في حد ذاتها. وأما مقال “محمد السقا عيد” “زينة الفم” يأتي مكمِّلاً للجماليات التي تحلّى بها الإنسان شكلاً ومضمونًا.
و”محمد أعراب” بمقاله القيم “البحث عن الحقيقة بين منهج الفلسفة ومسلك العرفان” ينقلنا من عالم الشهود إلى عالم الغيبيات، ليقدم لنا سيرة فكرية وروحية ثرية لشخصية “حي بن يقظان” التي ترصد لحظات حياته الطبيعية والنفسية والعقلية والوجدانية.
“لا بد أن نحشد كل الجهود التربوية لتنمية الوعي الجمالي عند الطفل بتوثيق صلته بعلم الجمال وفلسفة الفن، وإكسابه القيم الجمالية في الحياة، وتعويده على الترقي برؤيته التشكيلية ومواهبه الإبداعية ومشاعره الإنسانية”؛ هذا بعض ما قاله “بركات محمد مراد” في مقاله الماتع والتوجيهي “الطفل والذائقة الجمالية”.
وهل يمكن أن تتحول الثقافة إلى فتنة؟ ما هي أسباب هذه الفتنة وما سبيل علاجها؟ هذا ما يجيب عنه “خالد راتب” في مقاله الموسوم بـ”الفتنة الثقافية”.
وأما “سليمان عشراتي” فيركز على موضوع غاية في الأهمية هو “صناعة المتلقي الفاعل” الذي يقول فيه عند الإشارة إلى العلاقة بين الباث والمتلقي: “من كانت روحانيته قد استوفت نصابها واستوت على سوقها، كان كل ما يصدر عنه من قول أو فعل أو حال، يجد سبيله إلى الناس بلا دعاية ولا استئذان”.
هذا وكلنا أمل في أن تكون “حراء” في هذا العدد قد وُفِّقتْ إلى تقديم وجبة غنية بالغذاء الفكري يسدّ جوعنا المعرفي الذي نعاني منه. والله وليّ التوفيق.