كم تمنيت أن أكون أنينًا في صدور البكّائين وأنفطر من الهمّ.. أن أكون أنينًا وأريكم كيف يكون الانفطار من الهمّ، لكن قلبي قاس لم أستطع اختراقَ قسوته، لم أحسن القول فيما أريد، لم أستطع أن أكون أنينًا، لم أستطع أن أساعدكم، لم أستطع أن آخذ بأيديكم.. كان ينبغي أن تكونوا نورًا، أن تكونوا سحابًا، أن تقتحموا بجيادكم حرائق تلفح السماء بلهيبها هنا وهناك.. لكنكم ستقتحمونها حتمًا، سيأتي يوم تقتحمونها. الأيام تترقب قدومكم، وأنتم تسعون إليها مسرعين. الزمن حزين، الزمن منكسر القلب، الزمن قد فرش منديله كمتسوّل في منعطف من منعطفات الحياة، يترقب أحدًا يتصدق عليه حفنة من الحزن، ينتظر حفنة من الهمّ. أنتم ستُدخِلون أيديكم في قلوبكم كما تفعلون عند التصدّق على سائل، وتنثرون مكابداتكم وآلام قلوبكم على منديله، بل سترسلون أمطارًا من الرحمة، فإذا بنيران الفتن تنطفئ، وإذا بنيران المعاناة المتأججة منذ ثلاثة قرون تخمد.