ذات رمضان وأنا أستمع لتلاوة الجوشن الكبير بصوت الأستاذ محمد فتح الله كولن حفظه الله ومد في عمره، وفي نفس الوقت كنت ممسكًا هاتفي المحمول محاولاً الإتصال ببعض أهلي في الطرف الآخر من الدنيا حتى أطمئن على أحوالهم وصحة بعضهم ، سمعت نوح روح كادت روحي تتلف من فرط حدته وصدقه خرجت من مواجيد الدعاء الحرى. ترى من؟ ماذا؟ كيف؟ أسئلة كثيرة ما كنت أعرف لها جوابًا.
خرجت حافي القدمين إلى الشارع بعبارة واحدة، أخبرتني الجارة بكل شيء عدت مسرعًا إلى معتكفي، وانخرطت في بكاء ونحيب.
مكابدات الجوشن
لا أدري صراحة لماذا تذكرت أحزان آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالضبط علي بن الحسين بن علي سيدنا زين العابدين عليه السلام في كربلاء!. تذكرت كل ظلم التاريخ الذي لحق بهم، ومن عجائب قدرته سبحانه وتعالى جلت عظمته وتقدست صفاته أنني كنت قد توقفت عند العبارة التالية:
يا رازق الطفل الصغير ** يا راحم الشيخ الكبير
سبحانك لا إله إلا أنت الأمان الأمان خلصنا من النار، لقد فاضت روح صديقي الصغير أيوب! كنت أناديه حنظلة، والمسيح الصامت أحيانًا، مات أيوبنا الصغير، ملاك طاهر بل هو أمير، أمير صغير فقير، جاء لحينا قبل سنوات رفقة أهله، حينا حي شعبي، فسيفساء عجيبة وغريبة، من كل الناس قبس ومن كل ماض حكاية، من أهل الذكر حتى أهل السكر! ومن الصالحين حتى الصعاليك.
نعم، جاء إلى حينا فرارًا من قسوة الفقر والبطالة وجفاء البشر، أسرة بسيطة معدومة تسكن في غرفة إيجار! غرفة واحدة فقط، يحدث هذا في زمن حقوق الإنسان والديمقراطية، أبوه عامل أجير يومه وقولوا أسير يومه لا فرق، فعمل الفقراء الأجراء صيغة معدلة من صيغ العبودية الأولى والزمن الغابر، أمه لا تقرأ ولا تكتب، لكنها أرضعته الشرف وعزة النفس وشموخ الإنسان، أصيلة كانت تخرج لتتحدى الحقول في كل الفصول، وخصوصًا في أيام الضيق كانت ترافق زوجها طلبًا لقوت العيال، كانوا ينحتون الصخر والأرض والمحال، كان دومًا يبقى وحده في الشارع..، كان لطيفا خفيف الظل وكنت أوصي به إخوتي خيًرا، وكانوا كذلك يفعلون، أغالب دمعي وأنا أكتب له وعنه، أريد أن أودعه كالقديسين الخالدين وكالأبطال رهيب الصمت كان أيوبنا، لا أدري لماذا لعله لم يكن يفقه سوى لسان البربر حيث قبيلته هناك بعيدًا خلف الجبال!، كأني به شيخ عجوز يعي كل شيء لست أنسى نظرات الحكمة في عينيه كنا نتبادل لغة النظرات، وكان يا سادتي يحضر في دعائي ومناجاتي حين تجتاحني العبرات،لم يكن طفلاً عاديًّا بالنسبة لي على الأقل، فقد كان لقلبي كأطفال غزة أو مساكين بورمالم ينتفض يومًا!، لم يتأفف كان صابرًا كان عابرًا في صمت دومًا بجانب جدران الحي والحياة.
كان يحلق في علياء الصمت وله جناحان، غربة الزمان ووحشة المكان بالأمس ودعت ابني معاذ واليوم أودع أيوب، وغدًا أودع نفسي حنظلة الصامد، أيها اليسوع الصغير الصامت أبدًا.. يا أيوب الصبر وقد صرت هناك شاهدًا كالملاك في علاك وأنت تلاعب أقرانك في التلال البهية والغابات الزمردية والحدائق الزبرجدية، يا صديقي، يا ابني، لا تنساني واذكرني عند ربك.