القدوة الحسنة هو أن يتمثّل الداعية الصفات الحسنة في حياته كلها، بحيث تُطابق أفعاله أقواله وفق ما جاء به الشارع الحكيم، والتي تجعله قدوة مثلى لمجتمعه وللأمة الإسلامية.
قال الدكتور عبد الكريم زيدان: “فالقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام يستدل بها غير المسلم على أحقّيّة الإسلام ، وأنه من عند الله ، ولا سيما إذا كان سليم الفطرة سليم العقل(1)“.
ومن أهم ما سار عليه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن في حياتهن من صفات كانوا بها مثُلاً عليا يُؤتسى بها:
أ-الإيمان الراسخ
أدركت كل واحدة من أمهات المؤمنين طبيعة المهمة الجسيمة الملقاة على عاتقها منذ اليوم الأول من انتسابها إلى البيت النبوي، فحرصت على تربية نفسها، وتقويمها، وتدريبها للقيام بهذه المهمة؛ لتكون أهلاً لها، وقادرة على حملها، فحرصن –رضي الله عنهن- على تعزيز الصلة بالله تعالى، وتوثيق العلاقة به سبحانه، وحافظت كل واحدة منهن على أداء العبادات على أفضل وجه، وأكمله، وأقومه، والاستكثار من ذلك؛ ابتغاء إصلاح أنفسهن، وطلبًا للأجر والمثوبة من الله تعالى.
من ذلك ما روي أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تسرد الصوم، ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فِطْر، وكانت تطيل القيام في الصلاة، والبكاء من خشية الله تعالى[37]. ومثلها حفصة -رضي الله عنها-، فقد روي أنها كانت صوَّامة قوَّامة بشهادة من جبريل عليه السلام(2)”.
وكانت أمّ سلمة -رضي الله عنها- تحرص على أداء العبادة، ولا تُبالي بما يصيبها من تعب ونصب: روي أنها قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي، فقَالَ: (طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ).
وتلك زينب بنت جحش-رضي الله عنها- الخاشعة الراضية الأواهة الداعية، والتي يشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبادة والتبتّل والخشوع، فيقول عنها: (إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ، أي خاشعة متضرعة)(3). كما تشهد لها أم سلمة -رضي الله عنها- بذلك فتقول: (كانت زينب بنت جحش امرأة صالحة صوامة قوامة) (4) ولحرصها على العبادة اجتهدت -رضي الله عنها- في ابتكار ما يعينها على إطالة زمن عبادتها، والإكثار منها، حتى وإن أصابها رهق وتعب، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنكر عليها ذلك، ويوجّهها إلى الاقتصار على القدر المستطاع دون تكليف النفس فوق ما تُطيق: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: (مَا هَذَا الحَبْلُ؟) قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ)(5)
أدركت كل واحدة من أمهات المؤمنين طبيعة المهمة الجسيمة الملقاة على عاتقها منذ اليوم الأول من انتسابها إلى البيت النبوي، فحرصت على تربية نفسها، وتقويمها، وتدريبها للقيام بهذه المهمة؛ لتكون أهلاً لها، وقادرة على حملها
وجُويرية -رضي الله عنها- تُعطينا مثالاً مشرقاً للمرأة المسلمة التي تحرص على النهل من معين العبادات، والتنعُّم في نعيمها دون سأم أو كلل، فقد روي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: (مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ”(6). وكانت -رضي الله عنها- تحب التقرب إلى الله بصوم نفل يقيها حرّ جهنم، ولـمّا كانت تجهل الحكم الشرعي في شروط صوم يوم الجمعة، وجّهها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه: عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ -رضي الله عنها-، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟)، قَالَتْ: لاَ، قَالَ: (تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟) قَالَتْ: لاَ، قَالَ: (فَأَفْطِرِي)(7) .
ومن أمهات المؤمنين اللاتي وُصِفْن بكثرة العبادة السيدتان صفية بنت حيي(8)، وأم حبيبة (9) رضي الله عنهما، وقد لازمت أم حبيبة صلاة سنن الرواتب، ولم تدعها منذ علمت عظيم أجرها، وجزيل ثوابها: تقول: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم(10) .ولم يكن ذاك مفاخرة ومباهاة منها، بل هو تشجيع على الاقتداء بها، والسير على هديِها. يقول النووي –رحمه الله-: “وفيه أنه يَحْسُن من العالم ومن يقتدي به أن يقول مثل هذا، ولا يقصد به تزكية نفسه، بل يريد حثّ السامعين على التخلُّق بخُلُقهِ في ذلك، وتحريضهم على المحافظة عليه، وتنشيطهم لفعله”(11).
ب-الاستجابة لأمر رسول الله:
ومن صفات الداعية التي اتّصفت بها أمهات المؤمنين فجعلت منهن أسوة حسنة للمؤمنين، الاستجابة التامة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وإن لم يوافق هوى لديهن أو عارض مصلحة لهن.
ومن النماذج على تلك الاستجابة: ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمّا حجّ بنسائه عام حجة الوداع قال: (هذه الحجّة ثم ظهور الحُصُر)، يقول الراوي: “وكان كلّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحججن إلا سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش، قالتا: “لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم” [48] فسودة وزينب رضي الله عنهما أبتا أن تحجّا بعد وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ استجابة تامة لأمره، واستسلامًا كاملاً لحكمه.
ولزينب بنت جحش رضي الله عنها موقف آخر مشرق في كمال التسليم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قصة زواجها من زيد بن حارثة، إذ لم تكن راضية بهذا الزواج، ولكنها وافقت على مضض، لإدراكها أنّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق كل اعتبار: انْطَلَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْطُبَ عَلَى فَتَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةِ فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: لَسْتُ بِنَاكِحَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ فَانْكِحِيهِ). قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُؤَامَرُ فِي نَفْسِي. فَبَيْنَمَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا) الْآيَةَ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُهُ لِي مُنْكِحًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “نَعَمْ”. قَالَتْ: إِذًا لَا أَعْصِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قد أنكحته نفسي(12).
وأم حبيبة رضي الله عنها من أولئك اللاتي استجبن للأمر الشرعي، وتمثّلته منهج حياة لها، فكانت بتلك الاستجابة وذاك التطبيق خير قدوة: روي أن أُم حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ دَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ، أَوْ غَيْرُهُ. فَدَهَنَتْ بِهِ جَارِيَةً. ثُمَّ مَسَحَتْ بِعَارِضَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ، مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (13).
من صفات الداعية التي اتّصفت بها أمهات المؤمنين فجعلت منهن أسوة حسنة للمؤمنين، الاستجابة التامة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وإن لم يوافق هوى لديهن أو عارض مصلحة لهن.
ج-الخلق الرفيع
تُعدُّ الأخلاق من أهم الدعائم التي يقوم عليها أيّ مجتمع إنسانيّ، وهي مقياس حضارته وتقدّمه بين الشعوب والأمم، فمن المعلوم أن ثمّة علاقة وثيقة بين تقدّم أيّ مجتمع ورِفعته وازدهاره، وبين تمسّكه بالفضائل والمحاسن والمحامد. فعندما يتمثّل المجتمعُ رفيعَ الأخلاق وكريمَ الصفات يغدو مجتمعاً فاضلاً عزيزاً، يباركه الله، ويمدّه بأسباب العزة والتمكين. وفي المقابل إذا انخلع المجتمع من الحُسن والـمَكْرُمات، وانتشرت فيه السيئات والرذائل، غدا مجتمعاً بغيضاً غير متعاون ولا متفاهم، فتتقطع أواصره، وتتهدم علاقاته، وتُمحق بركته، وإنّ مجتمعاً بلا أخلاق كشجرة بلا أوراق.
ولقد اتصفت أمهات المؤمنين بمكارم الأخلاق وعظيم الصفات، وطبقنها، ودَعَوْنَ مجتمعهن إليها. ومن أولئك السيدة سودة-رضي الله عنها-، فهي من أوائل المهتديات إلى الإسلام، فقد لامس شغاف قلبها، ووافق هوى نفسها، وصبرت في سبيل إيمانها، وتحمّلت المشاقّ والصعاب بالهجرة إلى الحبشة، والتغرب عن الأهل والوطن، ونشأت على كريم الصفات، وفضائل الخلال، حتى إن عائشة -رضي الله عنها- تمنّت أن تكون على مثل هديها القويم وسمتها الكريم. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا (14) مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ”(15).
وممن مُدحن في حُسن خلقهن: أم المؤمنين صفية بنت حيي -رضي الله عنها-، فقد كانت حليمةً عاقلة، فاضلة، شريفة، عاقلة، ذات دين(16)، ومن سيدات النساء ورعاً وزهادةً وبرًا(17) وكذا ميمونة -رضي الله عنها-، إذ تقول عنها عائشة: “كانت من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم”(18).
ومن جملة الأخلاق الفاضلة التي تحلّت بها أمهات المؤمنين ودَعَوْن إليها: الورع، وقد اشتُهرت به عائشة -رضي الله عنها-، ومن مواقفها الورِعة ما حكته لنا حيث قالت: جاءني عمي من الرضاعة يستأذن علي، بعدما ضرب الحجاب، قلت: لا آذن لك حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتْ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ليلِج عليك عمك)، قلت إنما أرضعتني المرأة، ولم يرضعني الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو عمك فليلج عليك) (19) فعائشة تمنّعت عن مقابلة عمها تورعاً لـمّا جهلت الحكم الشرعي الفاصل في ذلك، ولكن لما أكّد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة دخوله عليها أذِنت له.
وروي عن إسحاق الأعمى، قال: دخلتُ على عائشة فاحتجبت مني، فقلت: تحتجبين مني ولست أراك؟ قالت: (إن لم تكن تراني فإني أراك)(20). فمع أن بعض العلماء أجاز نزع الحجاب أمام الأعمى، إلا أن عائشة تورّعت عن ذلك، وفضّلت الاستتار منه.
ومن أمهات المؤمنين الورِعات –وكلهنّ كذلك- زينب بنت جحش-رضي الله عنها-، فقد امتنعت عن ذِكر عائشة بسوء لـمّا سُئلت عن رأيها فيها في حادثة الأفك، مع أن الموقف مناسب، والفرصة سانحة لذِكر شيء من مساوئ ضرّتها، إلا أن ورعها حال بينها وبين ذاك: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمّا سأل زينب بنت جحش عن موقفها من حادثة الإفك، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عائشة: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ(12).
ومن الخلال الحميدة التي سار على هديها أمهات المؤمنين الحِلم، وممّن اشتُهرت به صفية بنت حيي -رضي الله عنها-، ومن مواقفها الحليمة: ما روي أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب، فقالت له: “إن صفية تحب السبت، وتصِل اليهود”، فبعث عمر يسألها، فقالت: “أما السبت، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة؛ وأما اليهود، فإن لي فيهم رحما، فأنا أصلها”.ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان. قالت: فاذهبي، فأنت حرة(22).
ومن الصفات الحميدة أيضا عندهن الزهد، وثمّة موقف لعائشة يدل دلالة بيّنة على الدرجة الرفيعة التي وصل إليها زهد عائشة وأمهات المؤمنين: فقد روي أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي، فَقَالَ: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْك ألَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ)، قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكن أجرا عظيما (23) ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ(24) وكان ذاك الاختيار الموفق هو ذاته اختيار بقية أمهات المؤمنين.
ومن الأخلاق الحسنة التي عُرفت بها أمهات المؤمنين الصبر في سبيل الدعوة إلى الله والتضحية في سبيل ذلك بالمال والأهل والوطن. ومن أولئك الصابرات المهاجرات سودة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة(25).
وهكذا تبيّن لنا من استخدام أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- لأساليب الدعوة حِرصهم البالغ على دفع مسيرة الدعوة إلى الأمام ، وجَنْي ثمار الجهود المبذولة في ذلك؛ لذا فإن على الدعاة في كل زمان ومكان أن يجتهدوا دوماً في استخدام الأسلوب المناسب في الوقت المناسب، فأصناف المدعوين مختلفة ، والأسلوب الذي قد يؤثّر في بعض المدعوين قد لا يؤثر في بعضهم الآخر.
الهامش:
(1) أصول الدعوة – 485
(3) الطبقات الكبرى- 8/86، سير أعلام النبلاء- 2/228
(4) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء -2/ 51، الاستيعاب في معرفة الأصحاب -4/ 1852
(5) تهذيب الأسماء واللغات – 2/ 345
(6) رواه البخاري – 2/ 54- ح 1150
(7) رواه مسلم – 4/ 2090- ح 2726
(8) رواه البخاري – 3/ 42- ح 1986
(11) رواه مسلم – 1/ 502- ح 728
(12) شرح النووي على صحيح مسلم – 6/ 9
(15) موطأ مالك – 4/860
(16) مسلاخ الإنسان: ثيابه، وهذه استعارة، والمعنى: أحب أن أكون في مثل هديها وطريقتها. (انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين-4/ 320)
(17) رواه مسلم- 2/1085- ح 1436
(18) الاستيعاب في معرفة الأصحاب -4/1872، سير أعلام النبلاء -2/232
(21) مسند أحمد – 42/ 398- ح 25620
(23) رواه البخاري -3/173- ح 2661
(25) سورة الأحزاب: الآيات 28-29
(26) رواه مسلم – 2/1103- ح 1475
(27) سير أعلام النبلاء -2/211، الإصابة في تمييز الصحابة -8/404