أدب الطفل في العالم الإسلامي

منذ القدم والبشرية في سعي حثيث للبحث عن طرق التواصل الفعالة بين الأفراد، فاختلفت الألوان والأوجه، ومن هذه الأوجه القويمة اللغة وما تعلق بها من أشكال وألوان، وتعتبر اللغة الوسيلة الأكثر حداثة وفاعلية في التواصل بين الأفراد والوسيلة الناجعة، التي تتيح لهم تبادل الأفكار فيما بينهم وإيصال الرسائل والمفاهيم بشتّى الطرق، والأدب لون من ألوان اللغة والتواصل تعبر عن فلسفة يؤمن بها روَّادُها ويسعون لإيصالها لجمهور القرّاء، والقرّاء شرائح وفئات من بينها فئة الأطفال التي تعتبر المرحلة القاعدية في حياة كل فرد ففيها تُبنى قيَمُه، وفيها تُقوّم سلوكياته، وفيها تُستثمر فطرته، ومنها ينطلق فكره ليحدد مسار غمار حياته.

أدب الطفل قراءة تاريخية

أدب الطفل كغيره من فنون العلم الحديثة، له مرجعيات وله دوافع، تختلف من إقليم لإقليم، ومن ثقافة لثقافة، ومن مجتمع لمجتمع.

أدب الطفل كغيره من فنون العلم الحديثة، له مرجعيات وله دوافع، تختلف من إقليم لإقليم، ومن ثقافة لثقافة، ومن مجتمع لمجتمع.

وأدب الطفل صنفان:

الأول: شفهي وهو أول أمره، وبه انتشر في القرون التي تسبق النهضة الأوروبية.

والثاني: مكتوب ولم يُعرَف إلا حديثًا نتيجة تبعات الثورة والنهضة الأوروبية.

وفي حديثنا عن ظهور هذا اللون من الأدب في البلدان العربية والإسلامية فيجدر الذكر أنها كانت متأخرة، وقد أتت غير مستقلة؛ بل كانت متأثرة بشكل كبير بما وصلنا من ثقافة ومؤلفات فرنسية أو إنجليزية أو أوروبية بشكل عام، وبالتحديد أواخر القرن التاسع عشر.

مفاهيم ورؤى

الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عمّا لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر. وثمة العديد من الأقوال التي تناولت الأدب ومنها ما قاله وليام هازلت: “إن أدب أي أمة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أفكارها”.

الطفل هو مصطلح يُطلق عادةً على الإنسان منذ ولادته وحتى ما قبل مرحلة المراهقة، وقد ورد في القرآن الكريم 4 مرات كلها تحصر المفهوم في نفس المرحلة العمرية المذكورة آنفًا كما يلي:

( أَوِ الطِّفْلِ) سورة البقرة الآية (31)

(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) سورة الحج الآية (5)

(ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) سورة غافر الآية (67)

(وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ) سورة النور الآية (59)

كما تعرف الأمم المتحدة الطفل: هو كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر.

الأدب هو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر إلى النثر المنظوم إلى الشعر الموزون..

ومن خلال المزج بين المفهومين، يمكن أن نقول: “إن أدب الطفل هو نوع من أنواع التعبير الإنساني الكتابي، يحمل في مضمونه جملة من العواطف والأفكار والهواجس، تقدّم في شكل راقي يتماشى والمستوى العمري للطفل الذي لم يبلغ سن المراهقة”.

أسباب تأخر العرب والمسلمين في مواكبة تطور أدب الطفل

تشهد الدول العربية تقدمًا حسنًا وملحوظًا في معالجة هذا اللون من الأدب على غرار مصر والإمارات وغيرها، بعدة مبادرات محلية وعربية وعالمية، تسهم في تقويم أداء رواده وحث هممهم للاستمرار في تناول هذا اللون المهم من الأدب بالتشجيع اللازم والدعم المادي الكافي، فالعالم العربي فتيّ في هذا المجال ولم يشهد تطورًا ومسايرة لأدب الطفل على غرار ما هو في الغرب إلا في أواخر القرن التاسع عشر، ويعود هذا لأسباب عديدة اختلف النّقاد في سردها وتحليلها، ممكن أن نذكر من جملتها ما يلي بإيجاز:

– تدهور حال معظم الدول العربية وتأثرها بالاستعمار ومخلفاته.

– قلة المراجع، قياسًا بالتطور الغربي المطرد.

– اختلاط المفاهيم وغياب الرؤية المتكاملة للأهداف المرجوّة من أدب الطفل.

– النظرة التصغيرية للطفل وعالمه، وقلة الاهتمام به.

– قلة المقروئية لدى الأوساط الاجتماعية، ما ولّد عزوفًا عن ولوج هذا اللون من الأدب، وتأثيره العكسي على المحصلة الثقافية للشعوب الإسلامية.

– غياب عنصر الجذب، لاهتمام رُوَّاده بالوعظ والإرشاد أكثر من الاهتمام بالجانب الفني والجمالي.

المسلمون في عجلة تطور أدب الطفل 

في قراءة معمقة للمجتمع المسلم عمومًا والعربي خصوصًا، السبيل الوحيد والأمثل للرفع من قابليته للاندماج في مثل هذا اللون من الأدب والتقدم فيه وفق منهجية ورؤية واضحين، السعي الكلي للأفراد والمؤسسات والدول للرفع من نسبة المقروئية ووضع أطر ومبادرات وفلسفات تتكفل بها، فكلما تحسنت المحصلة الثقافية والمردودية القرائية في المجتمع كلما زادت مثل هذه الألوان من الفنون الأدبية اطرادًا وتحسنًا، فالتحدي قائم في ظل الزحف الغربي اللاقيمي في جله، ووجب على الشعوب المسلمة التصدي لهذا الفكر الذي يهدد قيم أبناءها ويخرب مستقبلها، ومن هذا المنطلق بناءً على رؤية شخصية على كل فرد وكل لبنة تكوّن المجتمع وتتحكم في فكره وأُطُرِه أن تسعى متكاملة لرعاية هذا الأدب ووضعه في طريقه السليم، وإنقاذ فطرة أبناءها والناشئة للحفاظ على قيم الإسلام السمحة ببناء جسر ثقافي متكامل ومترامي الأطراف في الزمن الحاضر والمستقبل.

مثل ما يقول المثل العاميّ عيب كل بلد على رجاله، فعيب كل علم على رواده، ويبقى دور الأوساط المحيطة بهذا الأدب وهؤلاء الرواد من أفراد ومؤسسات دور تكميلي تعزيزي تكاملي لا غنى عنه، لذلك نأمل أن تحظى أمَمُنا العربية الإسلامية أفرادًا ومؤسسات بنهضة فكرية قويمة، تحيي القيم وتعزز الفطرة السوية، ويظهر ذلك جليًّا من خلال أساليبها الأدبية الراقية وبرامجها التفاعلية المتميزة، التي ترفع الهمم وتطلق الأقلام، لنشهد تطورًا إيجابيًّا قيميًّا راقيًا في مجال أدب الطفل، نحو تأمين مستقبل قويم رشيد وصالح لأبنائنا وفلذات أكبادنا.

 

المراجع:

– د. عبد الفتاح أبو معال، “أدب الأطفال دراسة وتطبيق”، الطبعة الثانية 1988م، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان الأردن.

– د. كفايت الله همداني، “مجلة القسم العربي”، جامعة بنجاب، لاهور باكستان، العدد السابع عشر 2010م.

– أحمد نجيب، “أدب الأطفال علم وفن”، الناشر دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة 1411هـ-1991م.

– د. سمر روحي الفيصل، “أدب الأطفال وثقافتهم قراءة نقديّة”، إتحاد الكتاب العرب 1998م.

– د. أحمد زلط، “أدب الطفولة بين كامل كيلاني ومحمد الهراوي”، دار المعارف، القاهرة 1994م.

– أحمد زلط ، “أدب الطفولة أصوله ومفاهيمه”، الزقازيق، دار الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع ط: 1993م.

– رضوان محمد محمود، “أدب الأطفال مبادئه ومقوماته الأساسية”، دار المعارف، القاهرة.

– موقع ويكبيديا الموسوعة الحرّة.