مما يزيدنا أملاً ويبعث فينا روح العزم والإقدام، تلك الأقلام الخصبة التي لا زالت تكتب وتعبِّر، وتلك العقول الوضَّاءة التي لا زالت تبصر وتهدي، وتلك النفوس الزكية التي لا زالت تتقدم الصفوف وتنير الدروب.. ومما يزيدنا أملاً ويبعث فينا روح العزم والإقدام أيضًا، استضافة “حراء” لتلك الأقلام والعقول والنفوس، وبسط صفحاتها بين أيديهم ليلجوا عالمها الزاخر بالعلم والفكر والمعرفة، ويسهموا في الفتح الإيماني الذي يُجلي الكروب ويمحو الهموم عن قلب الإنسانية المكلوم.
ولا شك أن الأستاذ فتح الله كولن بقلمه الندي هو رائد هذا الأمل، حيث يحوك من خيوط اليأس نسيج الغد المشرق، ويزرع في الأرض المكتئبة أشجار الأمل المنبثقة من روح الإسلام الحنيف وقيمه السامية العليا ليداوي نفوسنا اليائسة والمحطومة.. ففي مقاله الرئيس لهذا العدد “روح الإسلام”، يدفع شُبَه كل متشكك بجدوى الحياة الروحية والإيمانية، ويؤكد أن المسلمين لو تفهَّموا الحركيةَ التي أوجدتها العقيدة الإسلامية في القلوب المؤمنة، فسيفهمون الأسباب والدوافع الحقيقية للهبوط والصعود على مستوى الفرد والمجتمع، بل سيدركون من جديد الروح والأسسَ المهمة التي يجمعون بها شملهم ويرجعون بها إلى وعيهم ومن ثم يلحقون بالقافلة التي تأخَّروا عنها.
الدكتور “محمد السقا عيد” يأخذنا في هذا العدد إلى عالم الطيور، يحدثنا عن ذكائها ويحلق بنا في عوالمها فيما وثق من معلومات نقرأها لأول مرة. و”العطري بن عزوز” يصور لنا العلاقة الوثيقة بين “المعرفة والأخلاق”، مركِّزًا على صلة العقيدة بالتربية والتعليم، وعلى واقع المنظومة التربوية في عالمنا، والرؤية المنهجية للقرآن الكريم.
أما “نبيل طنطاني” في مقاله “المفتاح”، فيشير إلى مكانة “اقرأ” الراسخة في عمق الإسلام، وإلى تبعات غيابها عن عقول المسلمين قرونًا مديدة، وذلك من خلال حوار ممتع يجريه بين كلمة “اقرأ” و”الإنسان المسلم”، فندرك من خلاله سبب هجران هذه الكلمة ديارَ المسلمين.
وفي مقاله “الرفض والمعارضة عند الطفل بين الصحة والمرض”، يقف “بركات محمد مراد” على نقاط غاية في الأهمية تخصّ تربية الطفل، ملفتًا الأنظار إلى أنه “إذا أردنا أن نربي أبناءنا بالطريقة الصحيحة، علينا أن نؤصل فيهم معرفة الخطأ من الصواب، وننمي لديهم حرية التفكير والتوصل إلى أهدى السلوك”. وفي “أزمة الفكر والوعي المنهجي” يسعى “خالد أوعبو” إلى إيجاد أجوبة على أسئلة حول طبيعة الأزمة التي يعاني منها الفكر الإسلامي، وتراجع الأداء الحضاري للأمة، ودور بناء الوعي المنهجي في الإقلاع الحضاري المنشود.
ولمفكرين غربيِّين نصيب في هذا العدد، حيث كتب “فيث أبوت” عن مستقبل الإنسانية المطبوع بثلاثي الأبعاد، مركِّزًا على الطابعة ثلاثية الأبعاد والدور الذي ستقوم به في تشكيل عالم الإنسانية الحاضر والقادم.
هذه إشارات إلى بعض ما دونته أقلام نيرة في هذا العدد الزاخر بمقالات أخرى هي بمثابة الزاد للفكر والروح والوجدان.. والله من وراء القصد.