التصلب المتعدد المرض الخفي

يعرف التصلب المتعدد بأسماء عديدة، منها التصلّب اللويحي أو التصلب المتناثر أو التهاب الدماغ والنخاع المتناثر ويعرف بالإنجليزية باسم “Multiple sclerosis” اختصارًا بـ(MS) وبالعربية الإم إس.

وترجع سبب تسمية المرض باسم “التصلب” لأنه يتسبب في تصلب الأنسجة و”المتعدد” أو “المتناثر” لأنه يصيب أكثر من منطقة واحدة من المخ و/أو الحبل الشوكي، أما اللويحي فيشير الي ” الندبات المعروفة باللويحات” التي تحدث في المادة البيضاء في الدماغ والحبل الشوكي.

يعاني 2.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من مرض التصلب العصبي المتعدد، وتعتبر النساء في الفئة العمرية بين 20-40 عاماً أكثر عرضة للإصابة بالمرض لأسباب يجهلها الباحثون. ولا يوجد علاج لهذا المرض على الرغم من أن العلاجات يمكن أن تبطئ أو تؤخر تطور الأعراض.

يُمكن القول أنّ التصلّب المتعدد مرضٌ ذو وجوهٍ مُتعدّدة؛ حيث أنّ مساره يختلف من حالةٍ إلى أخرى، فقد يُمكن العيش معه من دون أيّ أعراضٍ مُزعجة أو خطيرة، في حين أنّ البعض الآخر قد يُضطرّ إلى استخدام كرسيّ مُتحرّك بعد مضي سنواتٍ على الإصابة به.

وأصعب ما في مرض التصلّب اللويحي أنه يظهر في سنوات الشباب التي يكون فيها المريض في قمة عطائه، فيقلب حياته رأساً على عقب وتسوء حاله تدريجاً من خلال أعراض صعبة قد يصل بسببها إلى مرحلة يعجز فيها عن القيام بأبسط أعمال الحياة الروتينية ويستعيد المريض وظائفه المعتادة أو جزءا منها بين نوبة وأخري من المرض، لكن شيئا فشيئا تتراجع حالته ويخسر المزيد من وظائفه وتقل درجة التحسن.

المرض الصامت

يوصف مرض التصلب عادة بأنه مرض صامت أو حتى مرض غير مرئي، فالعديد من الأعراض التي قد تظهر على المصاب هي أعراض عادية ممكن أن يصاب بها أي شخص سليم كأمر عارض.

ويعتبر التصلب المتعدد أحد الأمراض الشائعة التي تصيب الجهاز العصبي المركزي، وهو مرض مناعي يصيب المخ والحبل الشوكي والأعصاب البصرية، إذ يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة مادة الميلين، وهي مادة دهنية تغطي الألياف العصبية، وتُشبِه مادةُ الميلين المادةَ العازلة التي تغطي الأسلاك الكهربائية، مما يسبب خللًا في نقل الإشارات العصبية يظهر في تباطؤ تلك الإشارات أو عدم نقلها، ما يسبب مشكلات في التواصل بين العقل وباقي أعضاء الجسم تعوق الشخص عن المشي أو الرؤية السليمة أو الكتابة أو حتى الإمساك بشوكة وسكين، إضافةً إلى ضَعف شديد في الذاكرة، وبطء في تكوين الأفكار وتبلُّد القوى العقلانية والعاطفية بشكل عام، كما يمكن أن يتسبب المرض في تدهور الأعصاب نفسها أو تلفها بشكل دائم.

وتختلف علامات التصلب المتعدد وأعراضه بشكل كبير، وتعتمد على مقدار الضرر وماهية الأعصاب المتضررة، إذ يمكن أن يفقد بعض المصابين بالتصلب المتعدد الشديد القدرةَ على السير بشكل مستقل أو على الإطلاق، بينما يمكن أن يشهد آخرون فترات طويلة من الاستقرار دون حدوث أي أعراض جديدة.

التشخيص

ليس هنالك اختبار تشخيصي واحد قادر على تأكيد الإصابة بمرض التصلب العصبي المتعدد، فهنالك مجموعة من المعايير المتفق عليها لتشخيص هذا المرض، لكنها معايير لا تخلو من النواقص. ونظرًا لصعوبة تشخيص التصلب العصبي المتعدد، يجب أن يقوم بهذه المهمة طبيب أعصاب يختص في معالجة هذا المرض. وفي واقع الحال يعاني 10 في المائة من الأشخاص الذين يتمّ تشخيص إصابتهم بمرض التصلب العصبي المتعدد من أمراض أخرى لها أعراض شبيهة به.

صحيح أنه قد يستغرق تشخيص مرض التصلب العصبي المتعدد وقتاً طويلاً، إلا أنه ممكن، وذلك لأن أعراض هذا المرض قد يصعب تحسسها، وهذا يعني أن العديد من الأعراض لا تظهر فقط لدى مرضى التصلب المتعدد، وإنما قد تظهر لدى غيرهم، لذلك يمكن أن يخطئ الأطباء في تشخيص المرض، ما يؤدي في النهاية إلى تأخر علاج المرضى.

وتجدر الإشارة إلى وجود اضطرابات تُبدي أعراضًا شبيهة بمرض التصلُب العصبي المتعدد، مثل: التهاب أوعية الدم، والسكتات الدماغية المتعددة، ونقص الفيتامينات وخاصة فيتامين بـ12، والتهاب الدماغ. وقد تؤدي الاضطرابات الناتجة عن التوتر في بعض الأحيان إلى تشخيص التصلب العصبي المتعدد بالخطأ.

ويساعد التصوير بالرنين المغنطيسي في استبعاد العديد من الأمراض الأخرى التي تشبه التّصلّب العصبي المتعدد، كما يمكن الاعتماد على نتائج فحوصات عينات الدم وعينات السائل الدماغي الشوكي لتشخيص الأمراض المشابهة.

الأسباب

لا يوجد سبب معروف للتصلُّب المتعدِّد. ومن غير الواضح السبب وراء إصابة بعض الأشخاص بمرض التصلُّب المتعدِّد وعدم إصابة آخرين به. ولكن تربط بعض الدراسات بين عدة عوامل قد يتسبب اجتماعها في ظهور هذا المرض، حيث تشير الفرضيات إلى أن إصابة المريض بعدوى فيروسية أو بكتيرية، مع وجود عوامل بيئية معينة، وقابلية جينية لدى المريض قد تفضي إلى خللٍ ذاتيّ في المناعة يؤدي إلى تدمير الميالين وظهور المرض.

مفاهيم وشائعات خاطئة حول التصلب

من المفاهيم الخاطئة أن مرض التصلب المتعدد مرض قاتل أو معدي، وينتقل بالوراثة من جيل الي جيل لكن هذه المفاهيم خاطئة، فهذا المرض ليس قاتلا، ولا معديا، ولا ينتقل بالوراثة بشكل مباشر، على الرغم من أنه قد يكون هناك ميل عائلي للتصلب. أيضا يعتقد آخرون أن المرضى المصابين بالتصلب المتعدد لا يمكنهم إنجاب أطفال، والثابت علميا أن هذا المرض لا يسبب ضعف في الإباضة لدى المرأة أو إنتاج الحيوانات المنوية لدى الرجل، وتستطيع المرأة المصابة بمرض التصلب أن تنجب أطفالا أصحاء. كما يعتقد آخرون أنه لا يمكن ممارسة الرياضة مع مرض التصلب المتعدد في الجهاز العصبي، علما أن الانطباع عن التصلب المتعدد وممارسة الرياضة قد تغير في العقود الأخيرة، حيث أصبحت جزءاً من طريقة صحية للحياة وفي حالة وجود قيود طبية فإن الرياضة مع العلاج الفيزيائي (الطبيعي) تساعد على تخفيف الألم والتشنجات مما قد يحسن الأداء الجسدي.

أعراض المرض

معظم المصابين بالمرض يمرون بفترات انتكاس تتبعها فترات تحسن وهكذا، حيث تظهر الأعراض بقوة في فترة الانتكاسة، وتتلاشى وتزول تماماً في فترات التحسن. وقد تتلاشى الأعراض لأسابيع أو حتى أشهر، ولكن هذا لا يعني أن المرض قد اختفى تماماً. ويظهر المرض عند كل مصاب على هيئة مختلفة وبأعراض مختلفة، من هذه الأعراض الخدر والتنميل، مشاكل البصر، مشاكل في التوازن والحركة، تلعثم في الحديث. ولكن عليك أن تعرف أنه لا توجد أعراض “اعتيادية” للمرض، كما أن الأعراض قد تأتي وتذهب، وقد يتسبب المرض بفقدان المصاب السيطرة على جزء ما من الجسم ليستعيد السيطرة على ذات الجزء بعد فترة، مثل التحكم في المثانة. وتعتمد الأعراض الظاهرة وكيفية ظهورها على الأعصاب التي يقوم الجهاز المناعي لدى المصاب بمهاجمتها في كل مرة.

الوجه الخفي للتصلب المتعدد

جاء في أحد المراجع الطبية:‏ «يحتلّ التصلب المتعدد المرتبة الثانية بعد الاصابات الجسدية كأكبر مسبب للعجز الناجم عن عطل في وظيفة الاعصاب بين مطلع مرحلة الرشد وأواسطها».‏ وعدد النساء المصابات به يناهز ضعف عدد الرجال،‏ وتبدأ اعراضه بالظهور عادةً بين سن العشرين وسن الخمسين.‏ ومن الحقائق الهامة التي ينبغي معرفتها أن المرض وحتى في فترات التحسن يكون نشطاً في جسم المصاب ولا يتوقف عن التقدم، ولا يعتبر هذا المرض قاتلاً، الا أنه في حالات نادرة فقط قد يسبب مضاعفات قاتلة.

ولفهم المخاطر التي يسببها هذا المرض على الجسم علينا أن نعرف في البداية أن الجهاز العصبي المركزي هو المتضرر الأول من مرض التصلب، وحيث يشرف على عمل ونشاط كافة الأعضاء في الجسم، لذا فإن أي ضرر يلحق بهذا الجهاز مهما كان صغيرًا فإنه سيسبب ضررًا أو تأثيرًا على الأعضاء التي تشرف عليها المنطقة المتضررة.

ففي الحالات الخفيفة والمعتدلة، يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة مناطق محدودة من الجهاز العصبي، وهذا يسبب ظهور أعراض تتراوح من خفيفة إلى معتدلة وقد تشمل أعضاء أو أجزاء محددة من الجسم فقط. لكن في بعض الحالات الأخرى فإن الضرر الناجم عن هذا المرض قد يطال الجسم بأكمله ويسبب تدهورًا في القدرات المعرفية والقدرة على التذكر والتركيز، كما قد يسبب ألام شديدة تأتي بشكل نوبات أو هجمات قد تؤدي إلى اضطرابات شديدة في الرؤية، تيبُّس في العضلات أو التشنجات، مشكلات في المثانة أو الأمعاء أو الوظائف الجنسية، تغيرات عقلية، مثل النسيان أو التقلُّبات المزاجية، الشلل، وعادة يكون في الأرجل، الاكتئاب، الصرع، اضطرابات في تنسيق الحركات الإرادية مما يؤدي إلى خلل وصعوبات شديدة في حياة المريض اليومية.

العلاج

رغم كون التصلب المتعدد مرضاً مزمنا لا يمكن شفاؤه بالأدوية حتى الآن، لكن لا داعي للذعر، اذ أن الأبحاث الجادة التي أجريت خلال السنوات القليلة، قد قطعت شوطا طويلا للبحث عن علاج شاف لهذا المرض. وقد أسفرت هذه الأبحاث عن اكتشاف بعض طرق العلاج القادرة على السيطرة على أعراض المرض وإبطاء الأعراض لدى بعض المرضى أو تأجيل ظهورها، ويبقى التشخيص المبكر أفضل طرق العلاج وتحسين حياة المرضى.

وكل ما يأمله الأطباء من جلسات العلاج هو السيطرة على الأعراض المصاحبة له والعمل على الحد من تطوره إلى مراحل أكثر حدة، وفي العادة يتم إدخال المريض إلى المستشفى بعد ثبوت الحالة أو انتكاسها من أجل تلقي العلاج بالكورتيزون، كما يتم عمل جلسات علاج طبيعي للعضو المصاب تحت إشراف الطبيب المختص، أما علاج البيتا إنتيرفيرون فقد أثبت نجاحا في الوقاية من حدوث انتكاسات المرض من جديد بنسبة تصل إلى 65%..

وقد أقامت شركة “ميرك” حلقة نقاش حول أحدث التطورات الطبية في مجال التصلب اللويحي والتي جمعت مجموعة من الاختصاصيين في طب الأعصاب، توصلت الحلقة الي أن العلاجات الحديثة تتميز بقدرتها على إعادة تكوين الجهاز المناعي، ما يُعتبر نقلة نوعية في العلاجات التقليدية المتوافرة للتصلب اللويحي، بحيث يستهدف العلاج الجديد بشكل انتقائي الخلايا المناعية التي تهاجم الجهاز العصبي فيما يسيطر على الأعراض فيحدّ من تطور الالتهاب. أما تأثيره على الخلايا المناعية السليمة فهو بسيط. كما يتميز العلاج الجديد بالقدرة على إعادة تكوين الجهاز المناعي ليعمل بطريقة سليمة لمدة 4 إلى 13 سنة في بعض الحالات. حتى أن التجارب أظهرت أن حالة معظم المرضى الذين تناولوا العلاج بقيت مستقرة لمدة 4 سنوات دون حاجة حتى إلى أي علاج طوال هذه المدة.

وختاما قد يكون التعايش مع هذا المرض أمراً صعباً، ولكن يمكنك تخطي هذا الأمر من خلال ممارسة الأنشطة اليومية العادية، والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة، والاستمرار في ممارسة الهوايات التي تستمتع بها وقادر على القيام بها، كما يمكنك مناقشة مخاوفك حيال التعايش مع المرض مع طبيبك أو مستشارك النفسي.