نبوءة ورسالة

إن عدي بن حاتم رضي الله عنه -وهو ابن حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود والسخاء- كان نصرانيًّا ثم هداه الله إلى الإسلام. وقد ذكر النبيُّ أمامه ثلاث نبوءاتٍ على النحو التالي كما حدَّثَ هو فقال:

بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟” قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ “فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى» ، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: “كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ”.. قَالَ عَدِيٌّ: “فرأيتُ الظعينة ترتحل من الحِيرة حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُخرِج ملء كفه”[1].

إن صدق النبوءات النبوية التي تتعلق بالحياة الدنيا دليل قاطع على صدق البعث الذي أخبر عنه المصطفى عليه الصلاة والسلام.

أجل، عندما أكد عدي بن حاتم رضي الله عنه على صدق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بمستقبل الأمة، فقد أكد بطريقة غير مباشرة على صدقه عليه الصلاة والسلام في أخباره عن الآخرة كذلك.

وها هو المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو للصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه قائلًا: “اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ، وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ”[2]، فعمّر أنس بن مالك رضي الله عنه أكثر من مائة عام، وكان يقول: “فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ”[3].

وهكذا، فإن وقوع النبوءات النبوية التي تتعلق بالحياة الدنيا، إنما هو دليل قاطع على وقوع البعث الذي أخبر عنه المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث يفرح المؤمن ويحزن الكافر أيما حزن.

المصدر: نفخة البعث، شواهد الحياة بعد الموت، فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، ٢٠١٥، ص:٨٨-٨٩.

ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.

[1]  صحيح البخاري، المناقب، 25؛ مسند الإمام أحمد، 4/257-378.

[2] صحيح البخاري، الدعوات، 18؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة، 141-144.

[3]  صحيح مسلم، فضائل الصحابة، 143.