ديدان الأرض، مهندسات التربة

كائنات حية صغيرة تعيش تحت الأرض.. كائنات استطاعت أن تحوّل الأرض الجدباء إلى أرض خصبة.. إنها مهندسات بارعات في هندسة التربة والزراعة؛ تعمل على تهوية التربة وتحريكها لتصبح أرضًا معطاء كثيرة الخيرات.
لقد بيّنت الدراسات والأبحاث العلمية أن عدد الديدان في نصف دونم من الأرض يبلغ ثلاثة ملايين. تساعد هذه الديدان على تخصيب التربة -وبصمت متناه- دون أن يشعر بها أحد من البشر. أجل، إن المهمة العظمى التي تقوم بها هذه الكائنات الصغيرة والتي غالبًا ما ندعسها بأقدامنا ونمضي دون مبالاة، تسعى -وبدون فتور- إلى حفر أقنية ذات مقاطع دائرية تمتد نحو الأعماق يتراوح طول الواحد منها 60-70 سم، ثم تقوم بنقل 25 طنًّا إلى السطح من التراب في الهكتار الواحد، وتستبدل التربةَ الخصبة في الأعماق بالتربة الجافة على السطح، حتى تتمكن من تهوية التربة وتقليبها وتسهيل حركة الماء فيها وامتصاصه، ثم تقدمها جاهزة مجهّزة ليرتزق منها الإنسان فيزرعها ويجني ثمارها.
والجدير بالذكر أن الدودة عندما تقوم بعملية تقليب التربة، تحرِّك من الأوزان ما يبلغ 50-60 ضعفًا من وزنها الذي لا يتجاوز بضع غرامات! وإن رفْعَ هذا الوزن يماثل رجلاً يبلغ وزنه 100 كغ يحمل في سلة خمسة أطنان!
كيف علِمتْ هذه المخلوقات أن تهوية التربة وتقليبها يأتي بالخصوبة والعطاء؟ وهل كانت تقوم بكل هذا الجهد للحصول على أجر؟ وماذا لو توقفت هذه الديدان التي لا نكاد نعبأ بوجودها أو نكترث بأمرها عن العمل؟ عندئذ سوف تتحول التربة في فترة قصيرة إلى جفاف وقحط وبرية جرداء تنتج شوكًا لا يصلح لشيء، ومن ثم سوف نجد أنفسنا أمام وضع مأساوي يوقعنا في بؤس عظيم فنهلك من الجوع والعطش! فالشكر كل الشكر للحكيم الرحيم الذي سخر للإنسان كل شيء.