عرفت فالزم

يا رفيق دربي، أَبُثُّكَ أشواقي، وأهديك حُبِّي الذي يُدفِئ قلبي.

لم يقل لنا أحدٌ عندما عاهدنا أنفسنا على أن نسير في هذا الدرب أنه سيكون سهلا تُزيِّن أرجاءَه الأزهارُ، وتغرِّد في سمائه البلابلُ ليل نهار. قيل لنا بأن دَربَنا دربُ “الغرباء”.

“ليس الغريب من غادر الديار، أو فارق الخلّان. الغريب مَنْ بات وحيدا بين الصحب والإخوان، أو بات وحيدا في أهله، لا يفهمون لغته ولا همومه، ولا أحواله.. فَطُوبَى للغُرَباء”.

اخترنا السير في هذا الدرب بإرادتنا.

فالغربةُ قَدَرُنَا يا أُخَيَّ.. ولا سيما إن كنت تحمل قِيَمًا سامية سُموَّ السماء. إن كنت تنادي إلى المحبة بدل الكراهية، والألفة بدل الفرقة، والسلام بدل الحرب، واللين بدل الغلظة، والتعقل بدل العاطفة، والحكمة بدل البطش والقوة. إن كنت تنادي إلى خصال ملائكية، فسوف تعترضك الشياطين وتحاربك، سوف تَبُثّ عيونها في كل مكان تراقبك، وتَنْثُرُ سمومها في كل مكان تنزل فيه.

هذا دَأْبُها، وذاك قدرك. دَأْبُها أن تنفث ظلاما، وقدرك أن تنشر نورا. دَيدَنُها أن تشيع قبحا، ومهمتك أن تنثر جمالا. دأبها أن تبث الكآبة في النفوس والعبوس في الوجوه، وقدرك أن تبعث الفرحة في القلوب وتنثر البسمات. دأبها أن تُحوِّل أرجاء الأرض إلى جهنم حمراء تتآكلها النيران، وتلفُّها الظلمة، ويعتصرها اليأس، وتجللها الوحشة والدمار. وقدرك أن تعمر الأرض بالسعادة والخضرة والنماء كأنها الفردوس نزلت من السماء.

هذا قدرنا يا أُخَيَّ.. هذه مهمتنا.. لم يقل لنا أحد أن المهمة يسيرة.. بَعْثُ الجانب الملائكي في الإنسان ليس باليسير.. إعمار الأرض بالروح الملائكية ليس سهلا.. أن تقاوم إبليس الذي يحاصر حصن إنسانيتك من داخلك يريد الاستيلاء عليه، وفرض هيمنته على الأرض حتى تكون جهنم سوداء ليس سهلا.

مهمتنا يا أُخيّ أن نبعث الجنة في أعماق الإنسان، ونمكنَّه من أن ينشئ نموذجا مصغرا للجنة التي وَعد بها ربُّ الأرض والسماء.

مهمتك مقدسة، سفرك طويل، مسالكك عصيَّة…

“سوف تعترضك ألوان شتَّى من الأهوال، ويفجؤك الموت بوجهه الكالح في كل منعطف، وتصفعك الألسنة كأنك مجرم شقي، وتُحرَم من أدنى حقوق المعيشة الإنسانية في كثير من الأحيان”.

لكنك وقد عرفت بأن هذا درب الأنبياء.. درب قافلة الأنوار.. فحذار أن تغادره.. لا يخيفنَّك ما تلقاه أثناء السير من آلام.. فهي آلام مخاض تنتهي بولادة مباركة.. تُولَدُ فيها أنت من جديد، ويُولَدُ معك مجتمعُك.. وتُولَدُ الإنسانية كلها ويعمُّ الخير بعدها كل مكان.

أما وقد عرفت فالزم يا أُخَيَّ، واصبر معنا على متاعب الطريق.