أفوّضُ أمري إلى اللهِ
أصعدُ معراجَ روحٍ رأتْ موتَها
قبلَ أنْ يستحمَّ غبارُ المدينةِ
في الجفنِ،
يختارَها زمنٌ
ومكانٌ بلا رغبةٍ،
ويكونَ لها جسدٌ
ولسانٌ وعينانِ،
كانتْ ترى،
وتنوحُ وتشكو؛
رأتْ كائناً يتحرَّكُ فوقَ هديرِ الترابِ،
ويحملُها بينَ جنبيهِ..
يجري بها تارةً في حريرٍ منَ الضوءِ
مغمورةً بظلالٍ منَ العطرِ،
يجري بها تارةً في كهوفٍ منَ الرُّعْبِ
مبتلَّةً بصقيعٍ منَ الخوفِ،
شاردةً ذاهلة.
أفوّض أمري إلى اللهِ
أصعدُ منتشياً في ارتعاشِ القصيدة،
أخلعُ عنِّيَ –في عَجْلٍ-
جسداً أرهقَتْني مخاوفُهُ
ونوازعُهُ،
أوجعَتْني انطفاءاتُهُ
حينَ يعشقُ أبّهةَ الحزنِ
حينَ يُداري مغامرةً لا تليقُ بِهِ،
يا رفيقَ طفولتِنا
وصِبانا
ومأوى الكهولةِ،
يا أنتَ يا جسدي..
كيفَ أغلقتَ نافذةَ الرُّوحِ
أطفأتَ أعذبَ ما فيكَ،
أغمضتَ قلبَكَ،
في خندقٍ مفعمٍ بالغوايةِ،
ألقيتَ كَنْزَ هواكَ
وفي غسقٍ لا قناديلَ في سقفِهِ،
تتخبَّطُ،
تقتاتُ أحلامَكَ الفاشلَةْ؟
أفوّضُ أمري إلى اللهِ،
أسألُهُ عنْ عدوٍّ منَ الناسِ
كانَ صديقي،
وأسألُهُ عنْ صديقٍ منَ الناسِ
كان عدوّي،
وعن كتبٍ كنتُ أقرأُها،
فيزيدُ بفضلٍ القراءةِ جهلي،
وعن بلدٍ كنتُ أحسبُهُ وطني
وأرى فيهِ أهلي،
وجدرانِ بيتٍ عتيقٍ
يُسَيِّجُهُ الشوقُ والحزنُ،
عن طفلةٍ
كنتُ أعشقُ عطرَ جدائلِها
وأرى في ابتسامتِها عالَماً
فاتنَ القَسَماتِ،
وأسألهُ…
أينَ بعدَ الذُّبُولِ
يروحُ الجمالُ؟
وأينَ مصيرُ العيونِ
التي كانَ في طَرْفِهَا حَوَرٌ
يقتلُ العاشقينَ؟
وماذا جرى عندَ سقفِ الزَّمانِ
لنرجسِ أحلامنا
وعواطِفنا الذابلَة؟!
أفوِّضُ أمري إلى الله
لم يبقَ ظِلٌّ، ولا طللٌ،
كانتِ الأرضُ ساقطةً
والفضاءُ غريباً،
ولا نبضَ للكائناتِ..
كأني الوحيدُ الذي نسيتْهُ قرونٌ
منَ الموتِ،
أخفتْهُ في كهفِها الكلماتُ،
ولم يدرِ أنَّ القيامةَ قامتْ،
وأنَّ جميعَ الخلائقِ في قبضةِ الأبديّةِ..
ويلاهُ..
إني أفوّضُ أمري إلى الله
أقرعُ أبوابَهُ
بدموعٍ تكسَّرَ مرمرُها
في محيطٍ منَ الظلمةِ القاتلَة.