بلبلٌ وَوَرْدة

 

 

 

من بعدما ملأ الوجودَ غِناؤه
قرب الحبيب دواؤه وشفاؤه
ظلمًا، فغاض بهاؤه ورُواؤه
صوتَ الحبيبِ ذَوَى، وغاب نداؤه
زمنًا ولفّهُما هناك رداؤه
وجهُ الصباحة أرضه وسماؤه
ذئبًا ينغّص ما يطيب عواؤه
عهْد المحبّة أو يُكَدّر ماؤهُ
وتقبّلته أُسُودُه وظِبـاؤه
ممّا يخطّ عبيرُها ودعاؤه
والغاب طاب زئيرُه وثغاؤه
سرّا تؤجّج أمرَها أعداؤه

للعاشقين تهدّلت أفياؤها
والبلبل الشادي بها (ميلاؤها)
فتفيضُ من خيراته أهراؤها
فبكلّ نُعْمى تُفْتدى نعماؤها
طَرّاقُ ليْلاتٍ بها مشّاؤها

لم يُرضِهِ جمْعٌ يفيض إخاؤه
حقدٌ تَوَقّدَ شرُّه وبلاؤهُ
معنا، فحقٌّ أن تراق دماؤه
تقضي بغير شريعتي أبناؤه؟
أنا سيّدُ الأكوانِ جلّ ثناؤه
النّسْرُ يغْضبُ أن يضام هواؤه
لنْ تستريحَ بظلّها آلاؤه
لا الصّرح يُستبْقَى ولا بنّاؤهُ
لن ينفع الليثَ الأسيرَ إباؤه
والسدّ يغرق إن تَفجَّر ماؤه
عنه الحبيب، فهل يحين لقاؤه؟
ويعود للغاب الجميل رواؤه؟

والقولُ ينظمُ عِقْدَه فصحاؤها
تَأْتِيكَ عن أهل الحِجا أنْباؤها؟
فكأنّما أصداؤه أصداؤها:
بمحبّةٍ لتكشّفتْ ظلْماؤها
لم يَثْنِها عن جهلها حُكَماؤها
بين المحيطين ارتمتْ أرجاؤها
وإن استطالَ خريفُها وشتاؤها
ويَرفُّ من ألْحانهِ طلقاؤها
متضوعٌ، ونديّةٌ أنداؤها
لا صَقْرها أغضى ولا ببغاؤها
يبغي الحياة رجالها ونساؤها
وعليمها وإليك آل دهاؤها
وعبيرها في الكائناتِ ضياؤها
ولواؤه في العالمين لواؤها
والعندليبُ لباسها وغطاؤها
والبلبل المرآة منه جلاؤها
أسوارهُ بلغ المدى أنباؤها
إلا إذا الزفراتُ حان جلاؤها
ولكلّ عِرسٍ في الوجود حباؤها
سالتْ دماكَ ستستعاد ذِماؤها
منْ وردةٍ وليستمرَّ بكاؤها
فيعمّ وجهَ العالمين ضياؤها

 

 

 

 

البلبلُ الحيْرانُ طال عَناؤه
أزرَى به طول البعاد وإنّما
حبست يدُ الصيّاد طِيبَ نشيده
والوردُ كفَّ عبيرَه لمّا رأى
قلبان مؤتلفان ضمّهما الجَوَى
والغابة الخضراء كانتْ ملعبًا
وهما به يتنعمانِ فلا ترى
قد عاهدا الرّحمنَ ألا ينقضا
شهدتْ طيورُ الغابِ ميثاقَ الهوى
لم تشهد الغاباتُ أبْهى منظرًا
فإذا الحمائم والنسور توائمٌ
وإذا الجميع أحبّةٌ، لا فرقةٌ
* * *
ما كان أطيبها مُنىً معْسولةً
الوردة الولهى بها (عطّارها)(**)
والطّيْر صافّاتٌ تُسَبّحُ ربّها
أكْرمْ بها نُعْمى ترفّ ظلالُها
الحقّ معشوقٌ، وعاشقُ بابه
* * *
لكنّ صيّادًا أتى متربِّصًا
قد جاء من خلف البحارِ يقودهُ
حشَد الحشودَ مزمجرًا: من لم يكنْ
أأعيشُ في ضنْكٍ وينْعَم بلبلٌ
هلْ سيّدٌ في الكَوْنِ غيري آمِرٌ؟
من قال للمستضعفين تذمّروا؟
سأُحرّقُ الغاباتِ، أجعلها لظىً
النفطُ مهمازي إذا احتدم الوغى
والقحْطُ جندي، أستذلّ به الورى
لن يهدم الغاباتِ إلا جذُعها
البلبل الحيرانُ أصبح نائيا
أم هل تُعيد العهدَ أزمنةُ اللظى؟
* * *
وتنادت الأطْيارُ: هلْ من مُخْرجٍ؟
يا هُدْهُد البشرى، ألا من يقْظةٍ
قال السميرغُ والغيوبُ تحوطه
يا غُمّةً لو أنّنا قُمنا لها
وإذا تفرّقت القُلوبُ مودّةً
يا غابةً آلامُها مبسوطةٌ
سيعود بلبلكِ الشريدُ إلى الحِمى
سيعُود بُلْبُلُك الشّريدُ مُغَرّدًا
وتعودُ وردتنا الجميلةُ طيبُها
هي أمّةُ الطّـير استفاقت للعُلا
شعْبٌ تنادوا مصبحينَ أعزّةً
فسّرْ لنا الرؤيا فأنت حكيمها
الوردة المعطارُ شرعةُ أحمدٍ
والبلبلُ المأسورُ أمّة أحمدٍ
الوردة المعطار روحٌ سابحٌ
والوردة المعطار سرّ بقائه
والآثمُ الصيّاد حصّنَ سجنَهُ
لكنّ هذا السور ليس مهدّما
فليصبح الجرحُ المضمّخ مهرها
أرسلْ أنينك أيها الشادي فإنْ
ولتملأ الليلَ المحصّنَ آهةٌ
فالشّمْسُ تكشفُ بعْد ليلٍ سرّها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(**) عطارها: فريد الدين العطار. ميلاؤها: عزة الميلاء. والبلبل في الأنشودة الهندية مؤنث والورد مذكر.