أنا مسلم، والإسلام دين كامل لكني لست إنسانًا كاملاً إذا ارتكبت خطأ. فلا تلوموا الإسلام، بل لوموني أنا. هذه العبارة الوجيزة البليغة، تنسب للداعية أحمد ديدات رحمه الله تعالى.
حاولت من خلال هذه العبارة العميقة تفصيل القول في معناها ومدلولها، لعلنا نستدرك ونعترف بأخطائنا تجاه هذا الدين الحنيف، فالاعتراف بالخطأ فضيلة كما يقال، والإنسان الفاضل هو الذي يلوم نفسه قبل لوم غيره، ويقول بصوت مرتفع وبدون خجل:
نعم؛ لوموني أنا، لأني فهمت الإسلام بشكل غير صحيح.
لوموني أنا، لأني أحببت الله تعالى وتنكرت لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول على لسانه عليه السلام: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران30)
لوموني أنا، لأني أحببت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، واحتفلت بميلاده وهجرته ولم أتبع سنته، والله تعالى يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (الأحزاب الآية 21)
لوموني أنا، لأني خرجت عن منهج الاعتدال الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وغاب عن ذهني حديثه صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا…”. صحيح البخاري، كتاب الإيمان.
لوموني أنا، لأني طالبت الناس بما لا يطيقون، ولم أراع اختلافهم وقدراتهم وطاقاتهم وأفهامهم، ولم أعمل بقول الحبيب عليه السلام:”يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”. صحيح البخاري ، كتاب العلم.
لوموني أنا، لأني استعملت الشدة والغلظة والعنف في تعاملي مع الآخرين، استعملتها في غير محلها، ونسيت أن الأصل في المعاملة هو الرفق واللين والرحمة، قال تعالى:(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (سورة النحل الآية 125)، وقال أيضا:(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..) (سورة آل عمران الآية 159)
لوموني أنا، لأني أسأت الظن بالجميع، ورميت الكل بالزيغ والضلال وفساد الاعتقاد، ولم أزن الأمور بميزان الشرع الدقيق، ونسيت قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (سورة الحجرات الآية 12)
لوموني أنا، لأني تعصبت لرأيي ولم أعترف برأي الآخرين، وأنكرت ما عندهم من الحق ما دام ذلك مخالف لرأيي، ونسيت القولة المشهورة عن الإمام الشافعي رحمه الله: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”.
لوموني أنا، لأني اعتقدت أني بمجرد أن أقرأ بعض الكتب الشرعية، أو أن أستمع لبعض الأشرطة الدينية أن ذلك سيؤهلني لأن أكون عالمـًا مفتيًّا وداعيًّا إلى الله تعالى، ونسيت أن لطلب العلم قواعد وضوابط وللدعوة كذلك.
لوموني أنا، لأني تطاولت على العلماء وأنا من أجهل الناس، ونسيت أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة كما قال أحدهم.
لوموني أنا، لأني اعتقدت أن الجهاد الذي فرضه الله عز وجل على المسلمين هو القيام بالاغتيالات والتفجيرات، والاعتداء على الأجانب السياح في البلاد الإسلامية، ونسيت أن للجهاد شروط وقواعد تضبطه، وأن التعدي على هؤلاء هو تعد على أناس قد دخلوا بالأمان فلا يجوز التعدي عليهم، وأن مثل هذه الأفعال تعطي للأعداء ذريعة احتلال البلاد الإسلامية واستغلال خيراتها.
لوموني أنا، لأني لما حاولت الدفاع عن وجودي والتمرد على هذا الواقع المليء بالظلم والتهميش اخترت الطريق الخطأ والوسيلة الخطأ …
ولك أن تتخيل قارئي العزيز حجم الأخطاء التي نرتكبها بقصد أو بغير قصد، والتي تعطي صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، فالكل ملام …، فلا تلوموا الإسلام أرجوكم.