إننا نشاهد على سطح الأرض كافة، أن هناك خلقا وتصرفا وفعاليةً تجري على مساحة واسعة لا حد لها ولا نهاية. ورغم هذا الامتداد اللامحدود نرى أن تلك الإجراءات تتم وتنجز بسرعة عجيبة. ومع هذه السرعة وتلك السعة يبزر للعيان سخاء مطلق في تكثير الأفراد والعناصر.
إن خلق الذرات وخلق النجوم سيّان في السهولة أمام قدرة الله الخارقة.
ومع السخاء والسعة والسرعة نرى سهولة مطلقة في الخلق والإيجاد مع انتظامٍ خارق وإبداع في الصنعة خلاب وامتياز بين الكائنات دون أدنى تشويش، رغم الاختلاط الشديد والامتزاج الكامل بين تلك الكائنات. زد على ذلك أن تلك الكائنات آثار ثمينة جدا، ومصنوعات نفيسة جدا رغم الوفرة غير المحدودة، مع انسجام كامل في نطاق واسع جدا، ودقة الصنعة وبدائعها وروعتها وهي في منتهى السهولة واليسر.
إن إيجاد كلّ هذا الكم الهائل من الكائنات في آن واحد، وفي كل مكان، وبالطراز نفسه، وفي كل فرد، مع إظهار الصنعة الخارقة والفعالية المعجِزة، لاشك مطلقا أنه برهان ساطع وختم باهر يخصّ مَن لا يحدّه مكان، مثلما أنه في كل مكان، حاضر وناظر رقيب حسيب، ومَن لا يخفى عليه شيء مثلما أنه لا يعجزه شيء. بل إن خلق الذرات وخلق النجوم سيان في السهولة أمام قدرة الله الخارقة.
لقد أحصيتُ ذات يوم عناقيد ساق نحيفة لعنب متسلق -بغلظ إصبعين-، تلك العناقيد التي هي معجزات الرحيم ذي الجمال في بستان كَرَمه. فكانت مائة وخمسة وخمسين عنقودا. وأحصيتُ حبّات عنقود واحد منها فكانت مائة وعشرين حبة. فتأملتُ وقلت: لو كانت هذه الساق الهزيلة خزانةَ ماء معسّل، وكانت تعطي ماءً باستمرار لما كانت تكفي أمام لَفح الحرارة ما تُرضعُه لمئاتِ الحبات المملوءة من شرابِ سُكّر الرحمة. والحال أنها قد لا تنال إلاّ رطوبةً ضئيلة جدا. فيلزم أن يكون القائمُ بهذا العمل قادرا على كل شيء. فـ”سبحان من تَحيَّرُ في صُنعه العقولُ”.
المصدر: الكلمات لبديع الزمان سعيد النورسي، اللمعة الثانية من المقام الثاني من الكلمة الثانية والعشرين، دار النيل للطباعة والنشر.