في هذا العدد من مجلة “حراء”، نرحب بقرَّائنا الأعزاء في رحلة فكرية علمية وأدبية تتنقل بين الحاضر والمستقبل، وبين الروح والمادة. يتجلى في صفحات هذا العدد تنوعٌ يلامس شغف القارئ وفضوله، حيث يستعرض موضوعات تتراوح بين الفلسفة الإسلامية وعلوم الروبوتات، بين جماليات البيئة وتأثير التكنولوجيا على المجتمع، وبين التربية والتسامح.
يطلّ علينا الأستاذ فتح الله كولن في مقاله المتصدر لهذا العدد “سحر الإسلام”؛ ليؤكد على أن الإسلام نظام كوني يحمل سحر الأبدية والخلود، وأنه استطاع أن يقدِّم إجابات شاملة للوجود الإنساني، وأن يكون شجرة باسقة جذورها في الأرض وأغصانها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ولكن “إن لم تنصت القلوب للإسلام، فلا يستطيع الإسـلام إيصال صوته إليها. وإن لم يتم تمثيلُ الإسلام بشكل صحيح، خَفَتَ صوته وعجز عن التأثير في الأرواح”.
ونغوص في عالم الروبوتات الحيوية مع الدكتور “ناصر أحمد سنه” من خلال مقاله “الروبوتات الحيوية محاكاة للكائنات الحية”، لنكتشف كيف أصبحت الكائنات الحية مصدرَ إلهام لتطوير روبوتات قادرة على تسلق الجدران مثل الحشرات، أو السباحة في الأعماق مثل الأسماك. كما نتعرف على “الخنافس ودورها الفعّال في التوازن البيئي” مع الدكتور “محمد السقا عيد”، الذي يرى أنْ لا بد للبشر تَقبُّل التعايش مع الحشرات المفيدة، التي تحافظ على الصحة وتوازن البيئة، وأن يدركوا جيدًا أن هذه الحشرات الصغيرة ما زالت مصدر إلهام للعلماء في مجالات الطاقة والطب والبيئة.
أما الدكتور “يحيى وزيري” فيطرح في مقاله “مدن بلا سماء” تساؤلات عميقة عن فقدان الاتصال بالسماء بسبب التلوث الضوئي والعمران المتزايد، مشيرًا إلى أن فقدان السماء يترك أثرًا عميقًا على الإنسان، لأن “حجب النجوم والكواكب والشمس والقمر، يحرم الإنسان من تجربة حسية غنية، ويقلل من شعوره بالاتصال بالكون الواسع”.
ويناقش الأستاذ “سعيد بو عيطة”، أهمية التربية على التسامح كأساس لبناء المجتمع المدني، بينما يقدم الدكتور “محمود شعبان” رؤية متميزة حول “قوة الألعاب التعليمية” في تحويل الترفيه إلى أداة للتعلم والإبداع. والباحثة الألمانية “جينيفر بيكر” في مقالها “الذكاء الاصطناعي والكتابة” تثير تساؤلات حول مستقبل الأدب في عصر التكنولوجيا، وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون شريكًا للإنسان في الإبداع رغم التحديات الأخلاقية والقانونية.
هذا إلى جانب مقالات قيمة أخرى دونتها أقلام نيرة في هذا العدد، لتقدم رؤية تجعل من المعرفة نبراسًا يهدي العقول، ويزرع في الأرواح شغف الاكتشاف وبهجة المعنى.. نتمنى لكم قراءة ممتعة ومثمرة. والله من وراء القصد.