يطل علينا العدد الجديد (99) من مجلة حراء بموضوعات متنوعة فكرية وأدبية وعلمية وثقافية وتربوية، ليشكل منها وحدة موضوعية تعالج كثيرًا من القضايا الآنية المتعلقة بالفرد والمجتمع.
تسلط الضوء فيه على مزيد من الحلول لمعالجة كثير من القضايا المطروحة على الساحة الفكرية، بأقلام نخبة من الكتاب المتميزين من مشارق الأرض ومغاربها.
لا يتم التفكير إلا بضبط زوايا النظر، فالفكر هو البذرة وسلوكياتنا براعمها، أما ثمارها فهي الأفراح والأحزان. في مقاله “الإنسان في بوتقة الفكر” المتصدر لهذا العدد من “حراء” يقودنا الأستاذ “فتح الله كولن” إلى العوامل الحيوية التي تنمِّي قدرات الإنسان فيقول: “لقد أُرسل الإنسان إلى الأرض ليؤدي مهمة سامية، مزوَّدًا في فطرته ببذور ونويات تحمل كل المؤهلات المطلوبة لهذه المهمة العظيمة، ومن ثمَّ فإن ارتقاء الإنسان إلى شخصية نبيلة، وحيازته لفطرة وهوية ثانية تتسم بالسمو، ثم الحفاظ على هذه الهوية والشخصية المرموقة، مرتبط بتفكير منظَّم وسعي دؤوب وعمق في حياة القلب والروح”.. ومن ثمَّ يؤكد أن الارتقاء إلى سماء الإنسانية يتطلب نية صافية، وتفكيرًا منظمًا، وعزيمة لا تهتز، وجهدًا متواصلاً.
وإذا كان الأستاذ “كولن” قد حثَّنا على الارتقاء إلى سماء الإنسانية، وذلك باتباع النية الصافية والتفكير المنظم والجهد المتواصل، فقد تناول الدكتور “العطري بن عزوز” جانبًا محوريًّا آخر وهو تدبر القرآن طاعة وامتثال لأمر الله تعالى، وهو مصدر سعادة الإنسان، وذلك من خلال مقاله الموسوم ب “كيف نتدبر القرآن؟” والقائل فيه: “التدبر غاية مقصودة من القرآن الكريم، ولا بد للمسلم أن يحقق هذه الغاية التي هي مراد الله من الإنسان، والبركة العظمى التي يمكن كسبها من القرآن، إنما هي في تدبر معانيه واستخراج أسراره ومراميه”.
وإذا كانت “العزلة مشكلة نفسية” ولها جوانب سلبية كثيرة مثل الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري وغيرها، فإن “خالد صلاح حنفي” يشير إلى مواجهة اضطراب العزلة في مقاله “العزلة في عصر التواصل” قائلاً: “على الأفراد المساهمة في جعل التواصل الاجتماعي قيمة مجتمعية جوهرية من أجل تنمية الصحة والسلامة الفردية، وتحسين مخرجات التعليم والاقتصاد، ليصبح الناس أكثر سعادة وازدهارًا، ويبنون المجتمع بصورة أفضل”.
وينوِّه الدكتور “إبراهيم أبو عيانة” في مقاله “الحياة داخل المعدة“، عن ارتباط المعدة بالغذاء وطريقته ونوعيته، وارتباطها بصحة الإنسان وجودة حياته قائلاً: “إنها أحد أبرز أعضاء الجهاز الهضمي في الإنسان، وتعد أكبر تجاويفه، ارتبط اسمها بالغذاء وطريقته، بل تخطت ذلك وارتبطت بصحة الإنسان وجودة حياته، إنها المعدة”.
والشيخوخة مرحلة حرجة في حياة الإنسان، حيث تشهد ضعف الإنسان بعد قوته، فلا بد من الاعتناء بالمسنين والشيوخ ورعايتهم.. وهذا ما يشير إليه “صلاح الشهاوي” في مقاله المعنون بـ”رعاية المسنين فريضة إنسانية” والقائل فيه: “إن رعاية المسنين في الإسلام تستهدف فتح أبواب المشاركة الإيجابية للمسنين في الحياة العامة ما داموا غير قادرين على ذلك، أما إذا عجزوا فمن الطبيعي أن تقوم الأسرة برعايتهم”.
كما سنتعرف على الإنسان ورحلته في الحياة التي هي دار اختبار وعمل وجد، وكيف يتفاعل مع الدين، وكيف يقترب منه تارة ويبتعد عنه أخرى، وكيف يرتقي إلى هداياته وتوجيهاته في أحوال، ويتخلف عنها في أحوال أخرى؟ وذلك في مقال الدكتور “السنوسي محمد السنوسي” “في فكرنا الديني مراجعات وآفاق” والقائل فيه: “الفكر الديني بما أنه فكر، أي يقوم على إعمال العقل في النص الديني، وبما أنه ينبع من الإنسان ويحاول أن يبحث في مشكلاته وتطلعاته.. فإنه يدرك أن التجارب البشرية تتشابه، وهموم الإنسان تتقارب رغم اختلاف الزمان والمكان”.
هذا إلى جانب عدد آخر من المقالات الأدبية والعلمية والثقافية التي ذخر بها هذا العدد من حراء، والتي نرجو أن يجد فيه قراؤنا الأعزاء ما يمدهم بالفكر الواسع، ويدفعهم إلى تنمية ملكات الإبداع والتأمل لديهم، والله الموفِّق والمستعان.