تطبيقات التطور التكنولوجي

فرضت إجراءات الحجر الصحي وإجبارية عدم الاتصال المباشر بين البشر وما يترتب عنها من التأثير السلبي على اللقـاءات والعلاقات والنشاطات، اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي لإنقــاذ الناس، وستتطور الحاجة الإلكترونية عن بعد في الاجتماعات والدراسة وكافة الأعمال والتحويلات والتجارة والترفيه والرياضة وغيرها مما سيعزّز العالم الافتراضي في حياة الإنسان إذ مع التكنولوجيا الرقمية سينتقل من الإدمان إلى الأمان، والذين سيتخــلفون عن إدراك أهمية هذه التقـنية الذكية سيتجاوزهم الزمن، ولن يكون لهم مكان تحت الشمس فيما بعــد جائحة فيروس كورونا المستجد.

العديد من العمال في الصناعات التحويلية والدوائية يضطرون للذهاب إلى العمل كل يوم للتأكد من تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. لذا تدعم حكومات دول العالم استخدام الذكاء الاصطناعي لإطلاق تقنيات ذكية لمكافحة انتشار الفيروسات المستجدة، حيث إنـهم سيطلقون قريبًا تقنية للهواتف الذكية تساعد في تعقب الأشخـاص المخالطين للمرضى مما يساعد السلطات الصحية على التصرف بسرعة لوقف انتشار أي وباء.

وتتـضمن المبــادرة جمع البيانات من الهواتف الذكية لمعرفة الأشخاص الذين كانــوا على اتصال وثيق بالمصاب حتى يمكن الاتصال بهم لحمايتهم من الإصابة، كما طورت شركة (لاندنج) أداة جديدة تعتمد في عملها على الذكاء الاصطناعي لمراقبة التزام الأشخاص بكافة الإجراءات داخل مكان العمل، حيث تصدر الأداة تنبيهات لحظية عندما يقترب أي شخص من زميله بأقل من المسافة الموصى بها.

وقد ارتبطت بعض استعمالات التكنولوجيا الرقمية في السنوات الماضية بالقرصنة والجاسوسية وانتهاك الخصوصية وتهديد الأمن القومي، إلا أن أزمة كورونا كشفت عن أصالة إيجابياتها ولمعت من صورتها وعززت من الأهمية الاستراتيجية لها، إذ أصبحت مؤشرًا أساسيًّا في تصنيف الدول واستعراض مظاهر قوتها، وأنها الأقوى في مواجهة الأزمات الكبرى للأمم، وأنها خطّ الدفاع الأول عن الإنسان، وأنها أعادت رسم حدود العلاقة مع هذه التقنية وسهلت إنشاء عقد تكنولوجي معنوي بالتنازل الطوعي عن جزء من الحرية والخصوصية من أجل ضمان الحماية الصحية.

من أهم تلك التقنيات أداة مراقبة التباعد الاجتماعي حيث إنه يمكن للفنيين في المصانع دمج هذه الأداة في أنظمة كاميرات الأمان الخاصة بهم لمراقبة بيئة العمل بخطوات معايرة سهلة، كما ستكون الأداة قادرة على إصدار تنبيه عندما يقترب العمال من بعضهم البعض بما يقل عن المسافة الآمنة المحددة.

وتعتمد الأداة في عملها على معايرة البيانات التي حصلت عليها من الكاميرات بشكل يتناسب مع أبعاد العالم الحقيقي، ثم تتولى شبكة عصبونية (R-CNN) تحديد الأشخاص مع وجود خوارزمية تعمل على حساب المسافة بينهم.

كما تفصل طاولات الطعام في صالات الطعام بفواصل طويلة غير شفافة لتحويلها إلى حجرات طعام صغيرة، وتحتوي المقاعد أيضًا على رموز QR للعمال لمسحها؛ حتى تتمكن الشركة من تتبع مكانهم، مع التشديد على ترك متعلقاتهم الشخصية في أماكن مخصصة لتطهيرها في نهاية كل يوم عمل.

تقنيات رائعة من منبع الجائحة

لقد أثبتت الصين علميًّا وعمليًّا قوة الاعتقاد في الشفاء الذي ورد في الحديث النبوي الشريف: “ما أنزل الله داءً إلاّ أنزل معه دواء، علِمَه من علِمَه وجهِلَه من جهِلَه” مجسدة قبلة العلم التي يحج إليها كما ورد في الحديث بالمتن المشهور: “اطلبوا العلم ولو في الصين”.

وقد فتحت نافذة واسعة للأمل في الحد منه، ووضعت العلم والتكنولوجيا في قلب استراتيجيه المواجهة مع انتشار جائحة فيروس كورونا، بعد أن ظهر متحديًا القدرات العلمية والعقلية للإنسان وأعلن في البداية أنه وباء معقد ومستعص عن الحل وخاصة في مراحل الذروة والخروج عن حدود السيطرة، إلا أن محنته قد تقفز بالبشرية خطوات متقدمة في مواجهة التكنولوجيا للبيولوجيا، وتحديدًا في مواجهة مثل هذه الأوبئة المفاجئة والغامضة، لتعلن أن سلطان العلم هو وحده من يمكن الإنسان من السيادة في هذا الكون، مصداقًا لقوله تعالى: “يا معشر الجنّ والإنس، إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السّمـوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلاّ بسلطان” (الرحمن 44).

وقد أبهرت الصين العالم بأسره وهي بؤرة كورونا الأولى، إذ أصبحت الناجي الأول من هذا الطوفان في وقت قياسي وأثبتت أحقيتها بالزعامة في هذه المرحلة على الأقل، خاصة مع هذا التطور التقَني والتكنولوجي المذهل في مواجهة هذا التحدي المرعب، إذ تحولت إلى أكبر منصة تكنولوجية متكاملة للدفاع عن البشرية أمام جبروت كورونا ودفعت بمعركة التقنية إلى الواجهة وإلى المواجهة، ومنها:

– الروبوتات الذكية متعددة الخدمات: والتي لم تستغرق وقتًا طويلاً في جاهزية الخوارزمية والانتقال من المحاكاة إلى الممارسة، وقد تم الاستثمار فيها بفاعلية كبيرة والدفع بها إلى الخطوط الأمامية لهذه المواجهة، إذ تختلف عن الإنسان فلا تصاب بالعدوى.

وهو ما يدفع بها لاقتحام المهام الاستثنائية في الأماكن الخطيرة، في خدمات ذات أبعاد صحية واجتماعية كمنصات تشخيص ووقاية وخدمة، ما ساعدها على الاندماج السلس في حياة الإنسان.

وهي روبوتات متنوعة ومعززة بتقنيات عالية الذكاء والدقة، فمن الروبوت الممرض الذي يفحص 10 أشخاص في وقت واحد، إلى الروبوت الجوال الذي يفحص في الشوارع ويعطي النصائح الصوتية، إلى الروبوت الذي يوصل الطلبات ويقوم بالتعقيم، إلى السيارات الخدمية ذاتية القيادة، إلى المستشفى الميداني الذكي الذي يتم تنفيذ خدماته الطبية عبر الروبوت وأجهزة الإنترنت، إذ يمكنه تقديم الخدمة لنحو 20 ألف مريض، مثل توصيل الطعام والدواء، وتقديم المعلومات الأساسية عن الفيروس وكيفية التعامل معه، وفحص المرضى بواسطة موازين الحرارة المتصلة بتقنية الجيل الخامس، وارتداء المرضى للأساور الذكية التي تحتوي على أجهزة استشعار متزامنة مع منصة الذكاء الاصطناعي للتعرف السريع على الحالات.

– الطائرات المسيّرة (الدروز): في الوقت الذي تستخدم فيه هذه الطائرات في الحروب والمآسي الإنسانية فهي لدى الصينيين إحدى أهم التكنولوجيات الفعالة في مواجهة جائحة كورونا، إذ نشرت الصين آلاف الطائرات المسيرة في كل أنحاء البلاد للمساعدة في إجراءات مكافحة الفيروس، وقد استخدمت في عدة مجالات منها:

– تنفيذ دوريات المراقبة عبر كاميرات يمكنها تقريب الصورة 40 ضعفًا كي تُمكن من كشف الأشخاص المخالفين للإجراءات الوقائية.

– ضبط حركة المرور، ونقل المستلزمات الطبية وعينات الكشف الصحي، ونشر التعليمات اليومية بواسطة مكبرات صوت.

– تعقيم الأماكن العامة عبر رش المطهرات بانتظام، وكذلك إمكانية الكشف عن الأشخاص المصابين بتقنية التصوير الحراري عبر الأشعة تحت الحمراء.

التقنيات تعيد فتح المجتمعات

لقد تم استخدام تقنيات ذكية في تحليل بنية أي فيروس وكيفية انتشاره، مثل خوارزمية الطي الخطي، وهي أسرع من الخوارزميات السابقة بـ 120 مرة، وتطوير طرق الاستشعار الحراري بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن المصابين في الأماكن العامة، إذ تستطيع الكشف عن 200 شخص خلال دقيقة كما استخدمت الشرطة ورجال الإطفاء خوذات ذكية وكاميرات حرارية للكشف عن بُعد بدقة عالية وبِنِسَب تَعرُّفٍ تصل إلى 96%.

ويعتقد أن القدرة على تعقب الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بدقة أكبر، يمكن أن يساعد في تجنب الاضطرار إلى “إغلاق” مجتمعات بأكملها، مع ما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية شديدة الضرر.

وتسعى المبادرة الأوروبية إلى الاستفادة من التجربة الناجحة في استخدام الهواتف الذكية في بعض الدول الآسيوية لتتبع انتشار الفيروس وإنفاذ أوامر الحجر الصحي، مع أن هذه الأساليب قد تنتهك قواعد حماية البيانات الصارمة للاتحاد الأوروبي. وكان الهدف من المبادرة إصدار منصة تقنية مرخصة، تكون أساسًا لتطبيقات تتبع جهات الاتصال.

وتتخذ بعض الشركات تدابير أمنية صارمة من أجل حماية العمال، فعلى سبيل المثال لا تكتفي شركات تصنيع السلاح بفحص درجات الحرارة للعمال يوميًّا، بل تراقب درجات الحرارة بكاميرات فيديو بالأشعة تحت الحمراء؛ لتحديد حالات الإصابة في وقت مبكر.

ويتعاون أكثر من 200 عالم وخبير تقني في تقنية PEPP-PT التي صممت لتكون العمود الفقري للتطبيقات الوطنية التي تتوافق مع قواعد الخصوصية الصارمة في أوروبا، وتكون قادرة على “التحدث” مع بعضها البعض عبر الحدود.

وتقيس الكاميرات المستخدمة مقدار الحرارة التي تنبعث من الناس بالنسبة إلى محيطهم، لأنها تستغرق وقتًا أقل مقارنة بموازين الحرارة التي تقيس الحرارة في الجبين والتي اعتمدت سابقًا.

ويظهر استخدام الكاميرات الحرارية – التي لم يعلن عنها سابقًا – كيف تستكشف طرق احتواء انتشار الفيروس دون إغلاق المستودعات الأساسية.

وستحل الكاميرات الحرارية محل موازين الحرارة عند مداخل العمال للعديد من متاجر (هول فودز) التابعة لشركة أمازون. وقال أحد العمال: إن الشركة تُجري فحصًا ثانيًا لحرارة الجبين على أي شخص كشفت الكاميرات عن وجود ارتفاع في درجة حرارته، وذلك بهدف تحديد درجة الحرارة بدقة.

وأكدت أمازون أن بعض المستودعات قد طبقت الأنظمة لتبسيط فحوصات درجة الحرارة. وقالت الشركة في بيان: إنها تفحص درجات الحرارة لدعم صحة وسلامة موظفيها، الذين يواصلون تقديم خدمة حرجة.

وفي وقت سابق قالت أمازون: إنها ستقدم أقنعة للوجه، وستبدأ في فحص مئات الآلاف من الأشخاص للكشف عن وجود الحمى يوميًّا في جميع مستودعاتها الأمريكية والأوروبية. إن التطور التكنولوجي الرقمي ليس مجرد قرار، بل هو مسار استراتيجي طويل لا بد أن تعطى له الأولوية القصوى، فبِه إما نكون أو لا نكون.

المراجع :

  1. Coiera, E. (2019). Guide to medical informatics, the Internet and telemedicine. Chapman & Hall, Ltd.
  2. Clancey, W. J., & Shortliffe, E. H. (2018). Readings in medical artificial, intelligence: the first decade. Addison-Wesley Longman Publishing Co.Inc..
  3. Dinov, I. D. (2019). Volume and value of big healthcare data. Journal of medical statistics and informatics
  4. Barnes, B., & Dupré, J. (2019). Genomes and what to make of them. University of Chicago Press.
  5. “CheXNet: Radiologist-Level Pneumonia Detection on Chest X-Rays with Deep Learning”.