تطبيقات علم الاستشعار

تعد تكنولوجيا الاستشعار من العلوم الحديثة التي شقت طريقها بسرعة فائقة، وقد ساعد على هذا التقدم الدقة المتناهية في الحصول على المعلومات المرسلة من الأقمار الصناعية والطائرات. ورغم حداثة هذا العلم إلا أنه أصبح من العلوم الأساسية المستخدمة في حل كثير من القضايا المتعلقة بالأرض والظروف الطبيعية، وذلك من خلال الكم المعلوماتي الهائل الذي يقدمه ويعالجه معالجة رقمية بواسطة تكنولوجيا عالية. ومن أهم وأكثر تطبيقاته في الوقت الحالي، الصور الفضائية التي يتم التقاطها عن طريق الأقمار الاصطناعية أو الصور الجوية باستخدام الطائرات، ويتم معالجة هذه الصور باستخدام برامج معالجة خاصة لأهداف متعددة منها.

ستشهد حياتنا في العقود القادمة تغيرًا هائلاً، وستلعب المستشعرات دورًا كبيرًا في تغيير أنماط الحياة في المستقبل. والمستشعر هو أداة إلكترونية تقوم بفحص واستشعار وقياس التغيرات والاستثارات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للاشياء، ويستجيب المستعر للإشارات الناتجة من تلك الاستثارات بطرق مختلفة ومتبانية، ثم يحولها إلى شكل تماثلي أو رقمي، وبشكل عام فإن المستعشرات تصنف طبقًا للمؤثرات التي تتعرض لها والمعايير التي تقيسها، سواء كانت ميكانيكية كالطرق والقوة والضغط أو كانت حرارية مثل التغيرات في درجة حرارة الطقس، أو إلكترونية، أو تتعلق بالمجالات المغناطيسية أو الإشعاعية أو الكيميائية كالرطوبة والغازات المؤينة، أو بيولوجية كالسمية ومعدلات وجود الكائنات البيولوجية. والمستشعرات بهذا الشكل ليست وليدة اليوم بل موجودة منذ فترة طويلة، وتستخدم على نطاق واسع عسكريًّا وأمنيًّا وتجاريًّا وصناعيًّا وطبيًّا وفي غيرها من المجالات.

وتنتشر في وقتنا الحالي العديد من تطبيقات أجهزة الاستشعار التي ترصد ما يحيط بنا أو يتغير حولنا مثل مراقبة نسبة الجلوكوز لدى مرضى السكر، والتطبيقات البيئية للكشف عن المبيدات الحشرية، وملوثات الهواء والمياه، وتستخدم في مكافحة أنشطة الإرهاب البيولوجي والكشف عن مسببات الأمراض مثل تلك المسببة للسرطان والأورام وتقدير بقايا الأدوية في الغذاء، مثل المضادات الحيوية، ومنشطات النمو، ولا سيما اللحوم والعسل، وكذلك العديد من التطبيقات في السيارات والهواتف والأجهزة المحمولة.

وعلى الرغم من بدء تلك التكنولوجيا باستخدام أجهزة الاستشعار الإلكترونية الضخمة، فقد أصبح بالإمكان إنتاج أجهزة استشعار إلكترونية بحجم صغير يقل يومًا بعد يوم. وتعد المستشعرات بمثابة “الحاسة السادسة للإنسان” وسوف يتحقق ذلك بمعرفة أسرار المادة ومعرفة كل ما حولنا من مواد نتفاعل معها وتتفاعل معنا. وفي عالم المستقبل سيتطور مجال المستشعرات فيكون لدينا كم متنوع منها:

المستشعرات الحيوية الميكرومترية

يمكن زراعتها بجسم الإنسان وهي تقوم بعدد من المهام والوظائف مثل تتبع مراحل شفاء الجروح الداخلية، ومتابعة المؤشرات الحيوية كدرجة الحرارة والضغط والسكر، وإعطاء بيانات بصورة مستمرة، حيث يمكن وضع شريحة صغيرة تعمل كأنها “كمعمل تحاليل متكامل” داخل جسم الإنسان، وتقوم بإرسال التقارير إلى الطبيب المعالج، كما تقوم هذه المجسات الحيوية باستشعار التغيرات التي قد تطرأ وتبادر بالعلاج.

المستشعرات القابلة للتحلل الحيوي

وهي مستشعرات يكون الهدف منها القيام بمهمة محددة لوقت معين، وبعد ذلك تتحلل وتتلاشى داخل الجسم أو خارجه بعد أداء المهمة المطلوبة.

المستشعرات ذاتية الطاقة

لا تحتاج إلى أي مصدر طاقة خارجي، فهى تستخدم على سبيل المثال فرق درجة الحرارة بين جسم الإنسان ودرجة حرارة البيئة المحيطة كمصدر لتوليد الطاقة.

أسراب أو غيم المستشعرات

وهي مجسات ذكية ترتب مهامها وأنشطتها، وتقرر ما سوف يتم قياسه وأين ستقوم بذلك، وذلك عن طريق أنظمة التعلم الذاتي، وتوجيه حركتها وتجميع البيانات، ويمكن لهذه الغيم من المجسات التحرك مع الرياح.

مجس الغبار الذكي

نتيجة التقدم في علوم النانو وعلوم المواد والمجسمات المواد الإلكترونية، يمكن الآن صنع مجسات ميكرومترية مجمعة في حبيبات صغيرة تسمى مجسات الغبار الذكي، وهو عبارة عن منظومة افتراضية من النظم الميكروكهروميكانيكية من مجسات لاسلكية وروبوتات ومواد غبارية الحجم تعمل ضمن شبكات متصلة؛ بحيث يمكنها التقاط معلومة يحملها الضوء أو الحرارة أو الصوت أو الاهتزازات أو الإشارات الموجية أو المواد الكيميائية أو الكهربية، وتدور الأبحاث في هذا المجال على ربط الروبوتات الغبارية لاسلكيًّا ورشها فوق منطقة محددة كي تقوم بمهمات الاستشعار أو التجسس.

أجهزة الاستشعار المحاكية للطبيعة

يأخذ العلماء الآن من الكائنات الحية نماذج لصنع مستشعرات مثل الموجودة في العناكب، التي تتميز بوجود شقوق صغيرة في هياكلها الخارجية، وتهتز استجابة للاهتزازات في بيئتها الخارجية كمجس طبيعي.

أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء

لن نكون في حاجة إلى ارتداء ساعة ذكية أو جهاز مخصص لتتبع معدل دقات القلب في المستقبل، ستقوم الملابس بذلك من تلقاء نفسها، فمع تطور ألياف البولمير يقوم العلماء الآن بتطوير ألياف بوليمرية تتسم بالمرونة الكافية لنسجها مع الأقمشة والمنسوجات وإدخالها في تصميم الملابس، وتستطيع هذه الملابس مراقبة حالة الإنسان دون وجود أي خطر عليه مقارنة بأجهزة الاستشعار التقليدية، وتتبع مستويات الأكسجين وقياس الضغط ومتابعة البيانات الحيوية الأخرى، ومن المتوقع أن تتجاوز هذه التقنية المبتكرة المجال الطبي إلى المجال الرياضي، والتنبؤ بالمخاطر التي يتعرض لها الرياضي.

المدن الذكية وإنترنت الأشياء

 تمثل أجهزة الاستشعار مكونًا أساسيًّا في المدن الذكية المتكاملة وتقليل التلوث وترشيد استهلاك الطاقة والمياه والوقود بكفاءة عالية، وهو ما يطلق عليه حاليًا إنترنت الأشياء، والذي يعنى امتلاك كل الأشياء الموجودة في حياتنا للقدرة على التواصل مع بعضها أو مع شبكة الإنترنت لأداء وظائف محددة، أو نقل البيانات. وتمثل المستشعرات الأساس في إنترنت الأشياء، وبدأت هذه التقنية تظهر من خلال ساعات اليد الذكية وأجهزة التلفاز الذكية وغيرها، ولا زال لتطبيقات إنترنت الأشياء دروب لا تنتهي ومستقبل رائع، وكل ذلك يرسم طريقنا إلى المستقبل.

كيف يمكن للعالم العربي الاستفادة من علم الاستشعار؟

لا شك أن المستشعرات صارت جزءًا حيويًّا في حياتنا، سواء كان في صور أجهزة هواتف ذكية، أو ساعات ذكية أو أجهزة لقياس الضغط والحرارة والمؤشرات الحيوية، أو حتى أقمار صناعية في الفضاء ترصد آلاف وملايين البيانات يوميًّا الخاصة بمختلف المجلات، واستكشاف التربة والثروات الطبيعية المدفونة والمخبأة تحت الأرض وفي الجبال، ورصد الظواهر الطبيعية المختلفة. ومع ظهور إنترنت الأشياء، يتوقع التوسع في تطبيقات الاستشعار في مجالاته المختلفة، وعلينا -نحن العرب- الخوض في هذا العلم بقوة وبسرعة من خلال التوسع في إنشاء أقسام الاستشعار وعلوم الفضاء بالجامعات والمراكز البحثية العربية، وتشجيع الباحثين وتوفير المنح البحثية، وإقامة المؤتمرات العلمية، والتواصل مع الجامعات العربية والأجنبية للاطلاع على أحدث البحوث في ذلك الميدان، وزيادة ميزانيات هيئات الاستشعار عن بعد، وإنشاء تلك الهيئات في الدول العربية التي لا توجد بها، لأن الاستشعار هو البوابة إلى المستقبل والتقدم.

المراجع:

شاكر إبراهيم ومنى شهاب، تكنولوجيا الاستشعار والطريق إلى المستقبل، مجلة العلم، عدد (491)، سبتمبر 2017، ص 30.

علي فالح، وجمال شعوان (2012)، نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، مبادئ وتطبيقات،

موسوعة ويكيبيدا (2017)، الاستشعار عن بعد، www.wikopedia.org.