نكاد نجزم اليوم بأنه لا يخلو بيت في العالم من وجود كحل العين بأشكاله وألوانه الحديثة المختلفة التي تتماشى مع اختلاف حاجات المرأة الجمالية، فقد تستغني المرأة عن جميع أدوات التجميل إلا قلم الكحل الأسود، الذي لم تهزمه وسائل التجميل الأخرى. وبالعودة إلى الماضي فقد كان للكحل مكانة خاصة في الحضارة الفرعونية القديمة وكان الفراعنة يستخدمونه فتظهر عيونهم واسعة وجميلة. وقد ضربت (نفرتيتي) مثالاً تاريخيًّا بجمال عينيها التي أثارت غيرة بنات جنسها من خلال استخدام الكحل وظلال العينين.
والكحل أشهر أشكال الزينة والإغراء على الإطلاق، أفضاله جمة، وسحره بدأ منذ قديم الزمان فقد تبين أن الكحل كان يستعمل منذ آلاف السنين في حضارات مندثرة، كما كان يدخل في معظم وصفات العيون الفرعونية، إنه المبدأ الفاعل في كل ممارسة تجميلية لدى النساء، وقد مثل على مر التاريخ العنصر الأساسي بالنسبة لكل امرأة عربية، حيث اشتهرت المرأة العربية بتزيين عينيها بالكحل حتى تمنحهما سحرًا وجاذبية، وقيل إنه سر حدة بصر زرقاء اليمامة. وقد أولته المرأة اهتمامًا متزايدًا على مر التاريخ إلى اليوم، وبرغم تطور وسائل التجميل والعناية بالعين ومنحها المظهر الجذاب، إلا أن الكثير من بنات حواء يحافظن على تقليد وضع الكحل الطبيعي التقليدي كشكل زينة لا يبلى سحره ولا تنتهي غوايته، انطلاقًا مما يترسب في الخيال الشعبي من تمثلات عن المرأة الفاتنة كحلاء العينين التى ترشق بسهام لحظ مالهن دواء.
زينة الكحل وجماليات المكاحل
المكحلة هي الوعاء الذي يوضع به مادة الكحل، وهي قطعة أساسية من أدوات الزينة، وأنموذج من نماذج الحرف التقليدية، والصناعات العريقة. وهي معلم بارز من معالم فنون وحرف الحضارة العربية الإسلامية، وقد اعتمدت صناعة المكاحل على عدة معادن، وأحجار كريمة منها: الذهب، والفضة، والماس، واللؤلؤ، والياقوت، والمرجان إلخ. وغالبًا ما تكون أغطية المكاحل قيمة، وقواعدها مشغولة من الفضة لسهولة تطويعها. وقد برع حرفيون مهرة في صناعة المكحلة، وتوارثوا حرفة تتفنن في تنويع شكل المكحلة، أو قيمة مادة صنعها، أو ملامح زخرفتها، فضلاً عن تزيين رأس المِكْحَل المُستعمل لوضع الكحل قديمًا وحديثًا. ولقد استخدم الصانع التقليدي في زخرفتها أساليب متعددة منها: أسلوب الصب والحفر والطرق والحز، وأسلوب الزخرفة بالمينا المتعددة الألوان، والزخرفة بإضافة قطع خارجية تزيد من قيمة المكحلة، كتحفة فنية. وقد حرصت المرأة في الماضي على اقتناء المكحلة فهي جزء مهم من مستلزمات الزينة الخاصة بها، وعلى الرغم من دخول مواد التجميل الحديثة لا زالت بعض النساء تستخدم الكحل، والمكحلة إلى الآن، ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بنماذج عديدة من المكاحل، تفنن الحرفيون في العصور الإسلامية بصنع وابتكار أشكالها العديدة علي هيئة أشكال نباتية وحيوانية.
الكحل الطبيعي ومادته أحجار طبيعية، تعامل معاملة خاصة من قبل أن تستعمل، وتستخرج من حجر الإثمد أو كحل مكة وهو أشهرها وأكثرها جودة. و«الإثمد» هو الحجر المعروف للاكتحال وقيل: هو كحل أصفهاني يجلو البصر، ويذهب القذر وينبت الشعر ويجفف الدمع. وأفضل نوع من هذا الحجر يؤتى به من بلاد الحجاز، وأيضًا من أصفهان كما يوجد منه في المغرب، وكان يستخدم في كافة وصفات علاج العين لدى الفراعنة. يستخرج الكحل من حجر الإِثْمِد الذي يطحن ليستخدم مسحوقه للتكحيل، ويوجد للإثمد مركبات عضوية كالأنتومالين والفؤادين والغلوكانتيم، وأخرى معدنية مثل طرطرات الإثمد والبوتاسيوم، طرطرات الإثمد والصوديوم، وله خصائص دوائية عديدة، كما تصنع منها بعض المراهم الجلدية. كما ويؤثر على زمر جرثومية كثيرة ويبيد العديد من الطفيليات كالليشمانيا والبلهارسيا والمثقبيات والخيطيات. ويستعمل في بريطانيا لمعالجة البلهارسيا.
الكحل البلدي
وهناك أيضًا الكحل البلدي: وهو الكحل المصنوع من “اللبان الذكر” وهو من أفضل الوسائل الطبيعية لتجميل العينين وتقوية الرموش أو المصنوع من “نوى التمر“.
ويشاع أن الكحل العربي يساعد في توسيع عين المولود الجديد وإبعاد الأرواح الشريرة عنه، وكذا في إنبات الرموش، ولهذا نجد العديد من الأسر تتمسك بهذه العادة التقليدية بالرغم من التحذيرات الطبية بالنظر لخطورة إدخال أي مادة إلى عيني الوليد. وللكحل العربي ناحية جمالية لا يستهان بها إذ يعطي العين سحرًا مميزًا وجمالاً خاصًّا.
الكحل في الطب الحديث
وفي الطب الحديث تم التأكيد على فائدة تكحيل العين بالإثمد، ومن تلك الفوائد: تأثيره القاتل للجراثيم، حيث ثبتت قدرته على قتل زمر جرثومية متعددة وبعض الطفيليات، وتستعمل مركباته حقنًا في معالجة اللشمانيا. فهو يساعد على المحافظة على سلامة العين وجلائها وقتل الجراثيم الممرضة التي تتعرّض لها العين بشكل مستمر ما يخفف من حدوث الاحتقانات المرضية إذ توجد في الإثمد خصائص دوائية تؤثر على البشرة.
إنبات الرموش، إذ توجد في الإثمد خصائص دوائية تؤثر على البشرة والأدمة فتنبه وتنشط بصلة الشعر ما يكون عاملاً في نموها وثباتها، وإن هذا التأثير ثابت عمليًّا، فقد أصبحت بعض مركبات الانتموان تستخدم في معالجة بعض السعفات الجلدية وكذلك معالجة بعض حالات الصلع، وإن إنبات رموش العين يفيد من ناحية صحية وهو إبعاد الغبار والأوساخ عن العين.
كشفت دراسة حديثة أصدرها المركز الطبي العربي لأمراض العيون في دبي، أنه يمكن استخدام كحل «الإثمد» والكحل «الحجازي» فى علاج بعض أمراض العيون، مثل التهاب القرنية والرمد الربيعي وضعف أعصاب العين، فالكحل يقويها ويقلل من ظهور المياه البيضاء في العين، وقالت الدراسة إنه يمكن استخدام الكحل في علاج تساقط الرموش بشرط خلطه مع قليل من زيت الخروع ووضعه على الرموش كل ليلة. كما أكدت الدراسة أن بعض شركات الأدوية تستخدم كحل «الإثمد» في صناعة مراهم العيون، وحذرت من الكحل المغشوش بالفحم لأنه يضر العين، ونبهت الدراسة إلى أن الكحل الأصلي لونه رمادي غامق وليس أسود ووصوله إلى درجة السواد يعنى أن به عنصر الرصاص السام الذي يضر العين.
الكحل الصناعي
وهو مادة سوداء من السناج المتطاير من الفتائل المشتعلة، حيث يجمع ويدخل الزيت والشحم والدهن كمكون أساسي في صنعها. ومن أكثر أشكال الكحل الصناعي شيوعًا (الماسكرا)، والتي أثبتت فشلها بل وأصابت البعض بتشوهات وضعف بالنظر والرؤية بشكل عام لما تحمله من عناصر مضرة بالعين.
خطورة الكُحل الصناعي على العين
أظهرت الأبحاث مؤخرًا أن استخدام الكحل الصناعي داخل العينين يمكن أن يتسبب في حدوث الالتهابات الشديدة جراء دخول الجراثيم الملتصقة بالكحل الناشئة من العوامل الجوية إلى العين، ويمكن أن تشتد الالتهابات في حالة ارتداء العدسات اللاصقة ووضع الكحل في العين، حيث يسبب التصاق الكحل على العدسات سواء كانت خاصة بالنظر أو ملونة الشعور بالحرقة الشديدة، وهطول الدموع باستمرار واحمرار العينين، وبالتالي التهابها، قد يتسبب الكحل في إضعاف الرموش؛ إذ لا تقتصر أضراره على العين فقط، بل يمتد إلى إصابة الجفون بالتورم مما يؤثر على كثافة الرموش أيضًا يقوم الرصاص المصنع منه الكحل بالتأثير على البصر ويضعف من القدرة على الرؤية بشكل واضح، خاصة عند استخدام أنواع الكحل مجهولة المصدر التي تباع لدى العطارين.
حذرت دراسة طبية سعودية من الكحل الصناعي وخاصة تلك الأنواع الشائعة في المنطقة العربية والخليجية، نظرًا لاحتوائها على نسبة كبيرة من الرصاص، وهذا بدوره يؤذي البصر ويضر بعيون النساء. فقد قام الأطباء بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالسعودية بتحليل عينات عشوائية من الكحل، الذي يباع لدى العطارين، والمتوافرة في الأسواق وبخاصة الأنواع الهندية فوجدوا أن نسبة الرصاص فيها تتراوح بين 85% إلى 100% في كل غرام من الكحل. وكشف الأطباء عن وجود علاقة بين استخدام الكحل وتسمم الرصاص عند الأطفال، وما يسببه من اعتلالات دماغية مشيرين إلى أن مثل هذه الاعتلالات تسبب زيادة نسبة الوفيات بين الأطفال إلى25 في المائة، وقد قام الدكتور فرانكلين وايت من جامعة كراتشي في باكستان عام 2002 وعام 2006، بعمل بعض الدراسات التي أكدت أن استعمال الكحل للأطفال له العديد من الأضرار المحتملة، لا سيما على الدم والجهاز العصبي.
ونحن بدورنا نناشد صناع الدواء ومواد التجميل أن يتجنبوا مركبات الرصاص السّامة عند صناعة الكحل، وأن يقدموا كحلاً صافيًا من الإثمد، كي يستخدمه بأمان كل من رغب في الاكتحال بالإثمد.