يزحف لكنه ليس من الزواحف، ويشبه ـ بمنقاره ـ طيور البط، وليس منها. يُصنفه العلماء من الثدييات ذوات الدم الحار، لكنه لا يلد، بل يبيض. وما أن يفقس بيضه حتى تقوم الأنثى بإرضاع الصغار. فما هو هذا “الكائن الذي أثار كل هذه الحيرة والدهشة، ويمثل مستودع أسرار؟
اسمه العلمي “Platypus” أو منقار البط، أو الفأر الأعمى، أو خُلد الماء، أو بلاتيبوس (Ornithorhynchynchus anatinus) لا يتواجد “بطيُّ المنقار، إلا في المناطق الشرقية لأستراليا، وجزيرة “تاسمانيا” في الجنوب الشرقي للقارة. وهو واحد من أكثر حيوانات أستراليا شهرة إلى جانب حيواني “الكوالا”، والكنغر”. ويعيش “بطيُّ المنقار” على شواطئ البحيرات والأنهار، ويغطي جسمه فرو مثل “ثعلب الماء”، وله ذيل مثل “القندس”. لكن ذيله مستقيم ومفلطح ولديه قدرة على تخزين الزيت. وطريقة سيره تشبه سير الزواحف حيث تقع أقدامه بجانب جسمه وليست أسفله فهو يوجه نفسه بواسطة ذيله الذي يعطيه التوازن ويجعله يغوص بشكل أسرع.
ويتراوح وزنه ما بين واحد كيلوجرام- 24 كيلوجرامًا. والذكور أطول من الإناث، فرقبة الذكور طولها حوالي 50 سم، بينما تقل في الإناث بنحو 5 سم. أما طول الذيل في الذكور فيتراوح ما بين 10- 15 سم بينما في الإناث فيتراوح ما بين 8- 13سم. كما يوجد غشاء بين أصابع قدميه (مثل البط) حيث يستعمل الأماميتين كمجداف تحت الماء. أما الخلفية فبها مخالب حادة لزيادة سرعته أثناء الحفر. ويحمل الذكور سمًّا قاتلاً في أشواك بمخالبه. وهو اللبون الوحيد المميز بهذا السلاح السام. وبسبب الفتحة الوحيدة في مؤخرة الحيوان سُميت “أحادية المسلك”.
ويتغذى “بطيُ المِنقار” على الكائنات المائية مثل الروبيان، والحلزون، والقشريات، والأسماك الصغيرة، والضفادع، والديدان. وحين الصيد.. له قدرة هوائية حوالي 40 ثانية يستغرقها تحت الماء. ويمكنه الخروج لمدة 10 ثواني فوق سطح الماء، والرجوع مرة أخرى. وهو يستغرق 12 ساعة/يوميًّا للبحث عن طعام كي يُحصل ما يوازي 20% من وزن جسمه.. طعامًا. ومعدل درجة حرارة جسمه حوالي 32-38 درجة مئوية، وتبقى ثابتة لعدة ساعات أثناء السباحة.
بصره ضعيف، ولديه عظام صغيرة مسؤولة عن نقل الصوت إلى الأذن الوسطى لكنها لا توجد بجانب الفك، بل توجد داخل الجمجمة. لكنه يتمتع بمنقار/ خرطوم عريض مسطح (بدون شعر) يحوي فتحتي الأنف في أعلاه. لذا يشبه (بمنقار البط) لكنه جلدي/ لحمي شديد الحساسية. فما أن ينزل الماء حتى يحدد مكان فريسته بوساطة حساسية منقاره، وخاصية electrolocation، فهو الكائن الوحيد الذي يمتلك الحساسية في ألياف عضلات الجزء الأمامي من منقاره. حيث يلتقط الإشارات الكهربائية المنبعثة من الفرائس، ومن ثم تحديد موضعها، فيغرفها بمنقاره. فهو يفتقر إلى وجود الأسنان، فيسحق غذائه بالوسائد الكيراتينية الفكية. بينما يمتلك الصغار ثلاثة ضروس حادة.
رعاية الصغار
يعيش “بطيُّ المنقار” (كحيوان برمائي) في شبكة جحور معقدة لها مدخل تحت الماء. وقد يصل طول النفق لأكثر من عشرة أمتار. حيث يتزاوج (في الخريف) تحت الماء. وعلى اليابسة.. تضع الأنثى بيضها (2-4 بيضات). وتحفر جحر خاص في آخره غرفة للبيض الذي تحتضنه (بين ذيلها وبطنها) حتى يفقس (بعد حوالي عشرة أيام). وبعد الفقس.. ترضع صغارها من غدد للحليب (بدون حلمات واضحة) على بطنها. وعندما تخرج للبحث عن الطعام تسد مدخل الجحر بالتراب (للتمويه) لتحمي الصغار، وليظل دافئًا. لكنها تميز مكانه جيدًا الجحر فتعود إليه، دون أن تصل لجحر آخر. ويستمر الاعتناء بالصغار نحو أربعة أشهر إلى أن تصبح قادرة على الاعتماد على نفسهاـ فتغادر العش.
وتسعى الحكومة الأسترالية للمحافظة على هذا الكائن الفريد والنادر، وحمايته من الصيد. فهو من الأنواع التي قاربت على الانقراض، كما ذكر الإتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة (IUCN). لكن أهم الأخطار التي قد يتعرض لها هو وقوعه، مصادفة، في شباك الصيادين. ويبقى قوله تعالى: “وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (النور:45).