عند انتهاء دوام المدارس بشكل عام، تكون أمام الأسرة خيارات عدة فيما يتعلَّق بموضوع توجيه أطفالهم نحو ملء أوقات فراغهم. فمن تلك الخيارات مثلاً تعلم الموسيقى، أو دخول النوادي لتعلم الرياضة أو الرسم وما إلى ذلك.. ولكن هناك من يفضِّل أن يبقى أطفاله في البيت لأسباب اقتصادية وما شابه ذلك، فهنا نقترح فكرة إنشاء “مسرح منزلي” داخل البيت، وبأدوات بسيطة وبطريقة سهلة جميلة، توفر للطفل المتعة والفائدة، وتشغله عن متابعة الإنترنت الذي أخذ يكتسح أوقات الصغار والكبار؛ فقد غضُّوا النظر عن سلبياته التي باتت خطرًا حقيقيًّا يهدد الجميع على الرغم من إيجابياته التي لا تعد ولا تحصى. ومع ذلك أصبح الإنترنت جزءًا لا يتجزَّأ من حياة البشرية بشكل عام.
المسرح هو أبو الفنون وأولها منذ أيام الإغريق والرومان، وتبرز قدرته على الجمع بين عناصر فنية متعددة، حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني. ومن المتعارف عليه، أن هناك سينما منزلية، تقوم على أدوات وتقنيات معينة تنفَّذ داخل البيت، ويمكن تطبيق ذلك بالنسبة للمسرح المنزلي أيضًا.
للمسرح الطفلي أنواع متعددة، كمسرح خيال الظل، ومسرح العرائس، والمسرح المدرسي.. أما أن يكون لدينا مسرح في المنزل، فهذه فكرة جديرة بالتجربة، وخاصة أن هذا الفن غير معروف على صعيد الساحة المسرحية الثقافية والتعليمية محليًّا بشكل واسع. ولكن لبعض الفنانين المسرحيين -وخاصة المصريين- تجارب هامة في هذا المجال، نذكر منهم الفنان هشام طلعت الذي من خلاله شكَّلنا هذه الإضاءة على المسرح المنزلي.
فكرة المسرح المنزلي فكرة غربية، قد تبدو للسامع أنها صعبة التنفيذ، ولكن من يعمل في مجال التربية والتعليم، ويختلط مع الأطفال ويبقى على تماس مباشر معهم، فسوف يصل إلى نتائج مبهرة.
إن تجربة إنشاء مسرح داخل البيت، يكون ملكًا للأطفال، يصنعونه بأيديهم، وبمساعدة أسرهم، تساهم في تحقيق ما يحتاجونه من المعلومات والفائدة، مما يشكِّل الدور الأكبر في تطوير قدرات الطفل على مر سني حياته. فالطفل يملك مواهب كثيرة كالرسم والموسيقى والغناء، كل هذا يمكن لنا أن نوظفه في المسرح لصالحه.
الفكرة مبنية على أساس مسرح خيال الظل، وتقنياته بسيطة، والتعامل معه سهل جدًّا. والغاية هي طرح مفهوم المسرح المنزلي، وكيف نجعل الطفل نفسه يستفيد منه في البيت. ويقوم بتنفيذ أمور كثيرة، حتى إنه يمكن أن ينفِّذ بعض دروسه الصعبة عليه، وهذا أمر مهم جدًّا لذوي الاحتياجات الخاصة، مما يوفر عليهم مشقة الذهاب إلى المسرح. كذلك ينمِّي قدراتهم العقلية بالدرجة الأولى، ويعوِّضهم عن الكثير من الأمور التي يرغبون فيها.
والآن سنورد ذكر أدوات المسرح المنزلي، ونبيِّن كيف يكون للطفل الدور الأهم في استعمالها. فبإمكان أية أسرة أن توفر مستطيلاً خشبيًّا مثلاً، يكون على شكل إطار بطول متر وعشرين سنتيمترًا، وعرضه متر واحد، نثبِّت عليه قطعة قماش بيضاء على مبدأ فكرة خيال الظل، ولدينا مصباح كهربائي. يجب إغلاق النور في الغرفة ووضع الستائر، ومن ثم وضع المصباح الكهربائي أمام الأشياء التي سنعرضها أمام اللوحة. وبالتالي سوف نجد أن الظل قد انعكس على اللوحة القماشية. وهنا يمكن لنا أن نعطي طفلين -مثلاً- قصة حوارية، ويمكن لهما تقديمها بسهولة أمام اللوحة القماشية، هذا مما يرغِّب الطفل، ويجعله يستهوي الفكرة، ويبتكر أشياء أخرى قد لا تخطر على بال. فهذه الأدوات لا تشكِّل أي عبء مادي على الأسرة. ويمكن أن يوضع هذا الإطار الذي على شكل لوح، في أي مكان مناسب في البيت، فلا يأخذ حيِّزًا كبيرًا منه.
فالطفل اليوم، ليس بعسير عليه أن ينفِّذ أي شكل يريده مثلاً؛ أن يرسم شجرة، ويلونها، ومن ثم يقوم بتفريغها وعرضها على مسرحه الخاص به.
يشغلنا الطفل بكل تصرفاته وأفكاره وأحلامه.. كيف نعلمه ونبني له مستقبلاً زاهرًا، ونبعده عن هذا الكم الهائل من الألعاب الإلكترونية الحديثة الخطيرة؟ ماذا يجب علينا أن نفعل من أجله؟
فإذا أردنا أن نساهم في تصويب مسار مجتمعنا نحو الطريق الصحيح، فيجب علينا أن نبدأ من الطفل. فعندما نثير خياله ونجعله يبدع، نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في تحسين وضعه. نتساءل: أي مكان نراه كفئًا لذلك؟ لن نجد سوى المسرح، المسرح الخاص بالطفل على وجه التحديد. فكم له من الأثر الفعَّال في قلبه وعقله. فالطفل يملك مواهب كثيرة كالرسم والموسيقى والغناء.. كل هذا يمكن لنا أن نوظفه في المسرح لصالحه.
إن الفكرة بسيطة جدًّا وذات فائدة كبيرة. وهناك من يريد لطفله أن يذهب إلى المسرح ويشاهد العروض بنفسه، لأنه متعوِّد على ذلك. ولكن ما المانع من تنفيذ التجربة؟ فربما يتفاجأ الأهل بما سيقوم به أطفالهم. وإن تعميم الفكرة ليس بالأمر الصعب أبدًا، والمشروع ناجح جدًّا بلا شك. فمن المعروف أن أي مشروع تعليمي جديد، قد يلاقي في البداية بعض حالات من الرفض، ومن هنا فالصعوبات من السهل تذليلها. ومن المؤكد أن أية دولة تعتبر تطوير مقدرات الطفل من أولوياتها، فإنها سوف تهتم باستقطاب المشروع. ومن الجدير بالذكر أن تهتم مؤسسات التعليم بهذا الأمر، وخاصة في المدرسة، عندها ستشكِّل قناعة جيدة عند الطفل ويسعى إلى التجربة بنفسه.
الهدف من هذا المشروع بالدرجة الأولى تعليمي، كما أنه يساعد الطفل على أن يعدِّل من سلوكه من خلال مشاركته في الأعمال الفنية التي يمتلكها، كالرسم، وكتابة القصص، والغناء، والموسيقى.. كذلك يساعده على فهم المنهاج الدراسي في حال طبّقت بعض الدروس في المسرح المنزلي، فيحوِّل الدرس إلى مسرحية، كذلك يقوِّي مكتسبات الطفل، ويعزز التفكير السليم لديه، ويساعده على تحديد هويته.. فعندما يمثل مقطعًا ما عن الكذب، فهو ذاته لن يكذب في حياته العملية. من هنا جاءت فكرة تصويب الأفعال والمكتسبات. ولا يخفى علينا ما نراه الآن من ألعاب إلكترونية حديثة على الإنترنت وغيره تهدد مستقبل الطفل، فهي خطيرة جدًّا إلى درجة عدم ضبطها، وفي الوقت نفسه سهلة التناول لدى الأطفال. فأي طفل، يمكن له أن يفتح على أية لعبة بعيدًا عن مراقبة ذويه، لأن هذا يحدث معه على مدار النهار كله، ومن الصعب على الأهل ضبط ذلك. فالمسرح المنزلي يجذب الطفل إليه، وبالتالي يبعده عن تلك الألعاب الحديثة قدر الإمكان.
من المهم أن يقتنع ممن يريدون تطوير أطفالهم فكريًّا بتبني فكرة المسرح المنزلي، من المهم كذلك أيضًا بالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم وخرِّيجي كلية قسم المسرح، كذلك المؤسسات العلمية وأولياء الأمور، العمل على تنفيذ المسرح المنزلي. ويمكن أن يكون هناك ورشات، يقوم على تدريبها المختصون بالعمل المسرحي، لتقدم للأهل طرق التعامل الصحيحة، وكيفية تنفيذ المسرح وتطبيق العروض عليه داخل البيت، وبالتالي تدريب الفئات الراغبة في ذلك. ومن ثم تقوم هذه الفئات بنشر تلك المعلومات، كلٌّ حسب مكانه ودوره في المجتمع. ويمكن لهم أن يحصلوا على كل المعلومات المرغوب فيها.