اعلمْ ــ أيًّها الحَبيبُ ــ أنه لا يتحرَّكُ ساكنٌ في هذا الكون، ولا يسكـُنُ متحرِّكٌ، إلا بإذن اللهِ ومشيئتِه، فقد قدَّر اللهُ ما كان وما يكونُ، قال تعالى: {إنـَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقـَدَرٍ} (القمر: 49) وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: {مَا أصَابكَ لمْ يكنْ لِيُخطِئـَكَ، ومَا أخطأكَ لمْ يكنْ لِيُصِيبَكَ} (رَوَاهُ أحمدُ وأبو داودَ والحاكمُ والبيهقيُّ في السُّنن والطبرانيُّ في الكبير).
ولكنْ جعل اللهُ لِكلِّ شيءٍ سببًا، وأمر بفعل الأسبابِ والسَّير في طرقِها، لِيكونَ المرءُ قد أدى ما عليه، ويُكتبَ في ديوان ِ المُتوكـِّلينَ على ربِّهم توكلاً صحيحًا.
ألـَـمْ تــَــرَ أنَّ الـلـهَ قـــالَ لــمـــريــــم ٍ | وَهُــزِّيْ إلـيـكِ الـجـِذعَ يَـسَّـاقـَطِ الـرُّطـَـبْ |
ولـو شـاءَ أنْ تـَجْـنِـيْـهِ مِـنْ غـيـر ِ هـَــزِّه | جَـنـَتـْـهُ، ولـكـنْ كـُـلُّ شـَيءٍ لــهُ سَـبَــبْ! |
فإن أردتَ أن يرزقـَكَ اللهُ الكريمُ الوهَّابُ من فضلِهِ رُؤيا نبيِّك صلى الله عليه وسلم في منامِك، فعليكَ بأمور، منها:
1ــ تقوية ُ الإيمان واليقِين
فكلمَا قويَ إيمانُ المرءِ ودِينـُه، وعظمَتْ عقيدَتـُه ويقينـُه، ارتفعتْ درجتـُه عندَ اللهِ، فأفاض عليه من فيوضاتِه، وفتح له من أبوابِ فتوحاتِه، كما قال اللهُ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ…} (الأعراف: 96).
والبركاتُ التي يفتحُ اللهُ بها على أهل الإيمان لا تنحصرُ في البركاتِ الحسِّيةِ، ولكنها تشملُ البَرَكاتِ الحسِّيَّة والمعنويَّة، في اليقظةِ وأثناءَ المنام، ورُؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أعظم البركاتِ والفتوحات، إذ تنفتحُ بصيرة ُ الرائي، وتصفو رُوحُه، فيشاهدُ ما لا يشاهدُه غيرُه
قـُـلــُوبُ الـعَـارفِـيـنَ لـهَـا عُـيُـونٌ | تـرَى مَـا لا يَـرَاه الـنـَّـاظِـرُونـَـا! |
وأجْـنِـحَـة ٌ تـطِـيـرُ بغـيـر ريْـش ٍ | إلـى مَـلـكـُـوتِ ربِّ العَـالـمِـينـَـا! |
2ــ حُبُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حُبًّا صادقـًا
بأن يُقدِّمَ ما جاءَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم على هَواهُ وكلِّ ما يميلُ إليه، وبأن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شُغلـَه الشَّاغلَ في أفعالِه وأقوالِه، فيعيشَ معه في كلِّ سُلوكِه وتصرُّفاتِه مُستحضِرًا قولَ اللهِ تعالى {وَاعْلَمُوا أنَّ فِيكـُمْ رَسُولَ اللهِ ….} (الحُجُرات: 7).
فمن شغـَل نفسَه بشيءٍ أو شخص ٍ انطبع ذلكَ الشَّيءُ أو الشخصُ في عقلِه الباطن، وانغرسَ في بُؤرةِ شُعوره بعد أن يكونَ في هامش الشعور، ومن كان من الشَّخص كذلك، واستولى على فكره وسيطر عليه، رآه في منامِه.
قال أحدُ التلاميذِ لشيخِه أريدُ أن أرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فقد زاد حُبِّي له، وهَاجتْ أشواقِي إليه، فقال له شيخُه ــ وهو يريدُ أن يُعلمَه درسًا ينفعُه ــ عليكَ أن تتناولَ عَشاءً دَسِمًا، وتكونَ نسبة ُ المِلح زائدة ً فيه ليشتـدَّ عطشُك، وامتنِع بعدَها عن شُربِ الماءِ إلى أن تنام! ثمَّ أخبرني غدًا بما تشاهدُهُ في منامِك.
فنفذ التلميذُ كلامَ شيخِه، ثم جاء إليه من الغد، فقال له: قد فعَلتُ مَا أمَرتني به، ولم أرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم! فقال له شيخُه ماذا رأيتَ؟، قال رأيتُ نفسي كأنني أسيرُ على شاطئ نهَر! ورأيتُ الأمطارَ تنزلُ من السماءِ! والمِياهَ تنبُع ُمن الأرض! وهي تـُحِيط ُبي من كلِّ جانب!
فقال لهُ الشيخُ: لمَّا نمتَ وأنتَ مشغول النفس ِ بالماءِ، تـُفكرُ فيه من شدةِ عطشِك، رأيتَ في منامِك المياهَ باختلافِ أنواعِها! فإن أردتَ أن ترى نبيَّك صلى الله عليه وسلم، فاشغلْ نفسَك به وبحبِّه، وعِشْ معَ سُنتِه وسيرتِه، ودَاومْ على اتباعِه وطاعتِه، ففهم التلميذ ُ درسَ شيخِه، وما رمَى إليه بهذا الدَّرس العمليِّ التطبيقيّ.
3ــ الإكثارُ من فعل الطاعاتِ
وإذا أحبَّ الإنسانُ كان مُطيعًا لمن يُحبُّه، ومُسَارعًا في مَرضاتِه، ومُقدِّمًا رضاهُ على كلِّ ما يهواه، فالاتباعُ دليلُ الحُبِّ الصَّادق، وبُرهانٌ على صِحَّةِ هذه الدَّعوى
تعْصِي الإلـهَ وَأنتَ تـُظهـِـرُ حُـبَّـهُ | هَـذا لـَعَمري في القِـيـاس شَنِـيـعُ! |
لـو كـُنـتَ حَـقــًّا صَادِقــًا لأطعْـتـَهُ | إنَّ الـمُحِـبَّ لِـمـَـن يُـحِـبُّ مُـطِـيـعُ |
وكلمَا أكثـَرَ الإنسانُ من طاعةِ ربّه، ففعل الواجباتِ، وتقرَّبَ بالنـَّوافِل، من الصَّلاةِ والصَّوم، والصَّدقةِ والذكر، ومساعدةِ الناس وغير ذلك، كان قريبًا من مَولاه، مُسْتجْلِبًا لِحُبِّهِ ورضاه.
قال اللهُ تعالى في الحديثِ القدسيِّ {ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، ومَا يزالُ عبدِي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل ِ حتى أحِبَّه، فإذا أحببتـُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصرُ به، ويدَه التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيَنه، ولئن استعاذني لأعيذنه….} (رَوَاهُ أحمدُ والبُخاريُّ وابنُ حِبان).
4 ــ الابتعَادُ عن المَعَاصي والسَّيئاتِ
فمن ابتعد عن المعاصي جَهدَه، وكان حذرًا من الوقوع في الذنوبِ والسَّيِّئات، قرُبَ من ربِّه، وتعرَّض لنفحاتِه، وحقق مرتبة العبوديَّة، قال صلى الله عليه وسلم: (…. اتـَّق المَحَارمَ تكن أعبدَ الناس ….) (رَوَاه أحمدُ والترمذيُّ وأبو يَعلى والطبرانيُّ والبيهقيُّ).
أمَّا من وقعَ في المُخالفاتِ والذنوب، وكثرَتْ سيِّئاتُه وآثامُه، ضعُفتْ صِلته بربِّه، وقلَّ إيمانه في قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مُؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حينَ يسرقُ وهو مُؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربُها وهو مُؤمنٌ) (رَوَاهُ البُخاريُّ ومُسلمٌ وأبو داودَ والنسائيُّ وابنُ ماجه وأبو يَعلى وابنُ حبَّان).
وإنَّ الذنوبَ تؤثرُ في نقاءِ مِرآة القلب، وتقللُ من نسبةِ صفاءِها، إلى أن يُغطيَ السَّوادُ القلبَ كله، فيسمُكَ حجابُه ويعلوَهُ الرَّانُ! قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبدَ إذا أخطأ خطيئة، نكِت في قلبه نكتة، فإن هو نزعَ واستغفرَ وتاب صُقِلت، فإن عاد زيْدَ فيها، فإن عاد زيدَ فيها، حتى تعلوَ فيه! فهو الرَّانُ الذي ذكرَ اللهُ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المُطففين:15) (رَوَاهُ الحاكمُ وابنُ حِبَّانَ والبيهقيُّ).
5 ــ سُؤالُ اللهِ والطلبُ منه
عليكَ ــ أخي الحبيبُ ــ أن تدعوَ اللهَ تعالى، وتسألـَه رُؤيا نبيِّك صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وأن تـُلحَّ في السُّؤال والطلبِ، فمن اجتهدَ في السَّير بلغ المنزلَ، ووصلَ إلى مُرادِه ومقصُودِه، ومن داوم قرْعَ البابِ أوشَكَ أن يُفتحَ له، قال صلى الله عليه وسلم: {إنَّ اللهَ حَييٌّ كريمٌ، يستحْيـِيْ إذا رفعَ الرجلُ إليه يديه أن يَرُدَّهُما صِفرًا خائبتين} (رَوَاه الترمذيُّ والبيهقيُّ وأبو داودَ وابنُ حبانَ وعبدُ الرَّزاق).
فادعُ ربَّك مُبتهلاً قائلاً: اللهُمَّ إني أسألـُك رُؤىً صالحة ً صادقة، مذكورة ً غيرَ مَنسيـَّة، اللهمَّ لا تحرمْني من رُؤيا نبيِّك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وآلِه وأصحابـِه.
وتحَرَّ الأوقات الفاضلة الكريمة، والحالاتِ والأوضاعَ الشريفة، عسى أن تكونَ دعوتـُك مُوافقة ً لساعةٍ من ساعاتِ الإجابة.
واطلب من إخوانِك وأحبابـِك والذين تتوَسَّمُ فيهم الخيرَ والصَّلاحَ الدعاءَ لك بذلك، فقد وَرَدَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعمرَ بن ِالخطابِ رضي الله عنه: {لا تنسَنـَا يَا أخـَيَّ من دُعائِك} (رَواهُ أحمدُ والبزَّارُ وأبو داود).
6 ــ قراءة ُ قصَص رُؤى الرَّائينَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وسماعُ حكاياتِهم
اقرَأ ــ يا أخي الحبيبُ ــ القصَصَ التـي رَواها العُلماءُ في شأن رُؤَى أحبابِ النبيِّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسجَّلوها في كتبهم، واستمعْ إلى من يقصُّ عليك رُؤياه لنبيِّه، أو يروي لك رُؤى مَن رَآه، فإن هذه القراءة وهذا الاستماعَ يُهيِّجَان الأشواق، ويُثبِّتان في ذهنِك أوصافَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فتنطبعُ في عقلِك وقلبـِك، حتى تكونَ واحدًا منهم ببركةِ حبِّك لنبيِّك، وحبِّك لمَن يُحبُّ نبيَّك، وكما قال صلى الله عليه وسلم: {هُمُ القومُ لا يشقى بهمْ جليسُهُم} (رَوَاه أحمدُ والبُخاريُّ ومُسلمٌ والحاكمُ).