أما العين فتحركها ست عضلات في محجرها المحتوي على دهون تحميها من الصدمات، وهي كروية الشكل (قطرها ٢,٥ سم)، وجدارها ثلاثة طبقات هي الصلبة، والغلاف المشيمي، ثم الشبكية؛ فالصلبة غشاء معتم يحمي ما بداخله، وبمقدمتها القرنية، الشفافة لا تحوي أوعية دموية ولا أصباغًا، نافذة تمرر الضوء والصور، وتتفوق في طول البقاء. أما شبكة التروية الدموية ففي المشيمة المُمتد بجزء أمامي “القزحية”، وتضم عضلات تتحكم في مرور الضوء عبر العدسة الشفافة. والشبكية، غلاف حساس تتجمع عليه صور المرئيات، كما تتفرد بخلايا شديدة التخصص (العصي) لإدراك سطوع الضوء وشدته، والمخاريط تضفي الألوان علي الصور. والحاجبان والجفون حراس، ووقاية من العرق والأتربة والضوء الزائد. وتحتوي دموعنا على مضادات وقائية للبكتريا (الليسوزيم). وتفرز الدموع السائل الملحي المُرطب، من الجهاز الدمعي. وشبكة أنابيب الدموع داخله تغسل العين وتجلوها، وتشحمها بمواد زيتية. وبعد صيوان الأذن والطريق الخارجي، تبدأ الأذن الداخلية بالطبلة وارتباطها بعظمة المطرقة، وعظمة السندان، وعظمة الركاب (تتناسق العظيمات بزاوية ١,٥ درجة)، لتكبير أصغر اهتزاز صوتي، ونقله للأذن الداخلية، حيث حد السمع للأذن البشرية يتراوح بين ٢٠-٢٠٠٠٠ هيرتز.
مواصلات عصبية هائلة
وزن دماغ البالغ ١٤٠٠ غرامًا، ويستهلك ٢٠٪ من الطاقة، وطول الأعصاب نحو ٧٨٠,٠٠٠ كم (ضعف ما بين الأرض والقمر)، وينساب من الحبل الشوكي ٣١ زوجًا من الأعصاب، ومن القحف يخرج ١٢ زوجًا، وباستثناء العصب المخي العاشر (العصب التائه) تقوم الأعصاب المخية بالسيطرة على حركة وإحساس الرأس والعنق. ولكل عصب من أعصاب الحبل الشوكي جَذران مجدولان: للإحساس والتنبيه، وللحركة وردّ الفعل، ومنها تنتقل فروعٌ لأعضاء الجسم. وبالجهاز العصبي نحو ٣٠ مليار خلية (مقاسها ٠٥ و٠ مليمترًا). ولتبادل المعلومات هناك اشتباكات عصبية (نحو مائة تريليون نقطة/ عصبون)، ويتدخل ما بين ١٠-١٠٠ مليون خلية، في الفاعلية الذهنية، فإذا استمرت يتزايد العدد. وتتبادل الرسائل بين فصي الدماغ بعدد ٤ مليار تنبيه/ ثانية. وتشبه الخلية معالجًا يحتوي على ملايين ترانزستورات الحواسيب، وتنجز سلاسل وظائفنا الذكية بطاقة منخفضة جدًّا (٢٠-٣٠ وات)، بينما تستهلك الكمبيوترات (المحاكية للدماغ) ما يصل إلى ميغاوات.
والدماغ محمي بالجمجمة ومغلف بالأم الجافية، والأم العنكبوتية، والأم الحنون المُغلف للدماغ وتجاعيده. ويملأ الحيز بين الأم الحنون والعنكبوتية، سائل مخي شوكي شفاف، وتقارب كميته ١٥٠ ملليلترا ويتغير أربع مرات/يوميًّا للحفاظ على خصائصه ووظائفه. يمتص الصدمات، ويحمي من السموم الداخلية، ويُبقى الدماغ طافيًا دون ضغط كتلته على أجزائه السفلية فتدمرها.
بنية المتقدرات المحيرة
المتقدِّرات (الميتوكوندريا) عُضيَّات خلوية حجمها ميكرونًا، وتتكون من غشاءين، وتُولِّد نحو ٩٠٪ من طاقة الخلية، وتكثر في الخلايا المستهلكة للطاقة كالقلب، والشبكية، والعضلات، والكلي، والكبد. وتولد المتقدرات طاقة كيميائية: أدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP هي “بطارية سيارة” إدارة الجسم، طاقة مُستدامة بالغة السخاء والاقتصاد.
شبكات الدم والليمف
يقدّر عدد الخلايا نحو ٧٥ تريليون خلية (ألف مليار). كلها بحاجة للقلب العامل منذ بواكير الحمل حتى نهاية الأجل. ومعدل النبض ٧٠-٨٠ نبضة/دقيقة، وعليك حسابه في اليوم/العام/في متوسط الأعمار (٦٠-٧٠ عامًا). ويضخ ٥-٦ لتر دم، وعند الإجهاد ٢٠ لترًا. وطول شبكة الأوعية الدموية نحو ١٢٠ ألف كم. ألين من المطاط، وأكثر متانة من الفولاذ، وأطول عمرًا من الصلب الكروم، وفي بعضها صمامات أحادية السير. وتمر مواسير الجهاز الليمفاوي بجوار مجاري الفضلات، وتحميها شبكة من الأوعية الدموية والأعصاب، وجيوش من الخلايا المناعية المقاومة لتلتهم أي ميكروب يتسرب خلسة من هذه المواسير.
أعجوبة شبكات التنفس
تصفي شعيرات مقدمة الأنف الهواء، كما تلتصق ذرات الغبار والأتربة والميكروبات، بالغشاء المخاطي الرطب. وتساعد البنية المتعرجة لتجويف الأنف على زيادة مساحة سطحه الداخلي لترطيب وتدفئة الهواء الداخل للرئتين. وتضم المنطقة الشمية (في كل منخار، ومساحتها خمسة سنتمترات مربعة) نحو ثلاثين مليون خلية. وتمتد شعيراتها للطبقة المخاطية، وتوجد بين الشعيرات ٣٥٠ مستقبلة شم نشطة. وتتكون أبجدية الشم من ٣٥٠ حرف، ويصعب تخيل عدد كلمات وجمل الروائح المتنوعة.
وبُطنت القصبة والشعب الهوائية بشعيرات تلتقط وتدفع دوريًّا، ذرات الغبار نحو الحلق لتخرج بالسعال. وفي صدورنا أغشية تقارب مساحتها ١٠٠ متر مربع لانتشار الغازات. وتتكون القصبة الهوائية (حوالي ١٥ سم) من ١٦-٢٠ حلقة غضروفية. ولوجود المرئ خلفها، فإن الحلقات تشبه حدوة الحصان. وأكملت بنسيج مرن لكيلا يعيق تمدد المرئ أثناء الأكل، كما تتوسع أثناء الشهيق والزفير. وتنقسم القصبة الهوائية لشعبتين هوائيتين، ثم إلى ٨-١٠ طرق فرعية دقيقة، ثم لفروع أكثر دقة، وبنهايتها شعيبات النظام التنفسي وشعيرات دموية لتبادل الغازات.
الهضم ومسالكه
الجهاز الهضمي أنبوب ممتد، يضيق حينًا (المريء) ويتسع أحيانًا (المعدة). فيه أسنان تقطع وتمزق وتطحن الطعام ثم يقلبه اللسان (سبعة عشر عضلة يتخللها نسيج دهني وغدد لعابية)، ويبلله ويتذوقه ويبلعه. ولجدران المعدة أربع طبقات نسيجية، وتغذيها شبكة شرايين دمَوية وألياف عصبية متصلة بمركز الجوع والشبع بالدماغ. ويوجد أكثر من مليون خلية عصبية تبطن القناة الهضمية، وتعتبر دماغًا أيضًا. ويتم التواصل مع الدماغ عبر هرمونات لتُخبره بمدى الشعور بالجوع أو الشبع. ويتحرك جدار المعدة لا إراديًّا، ويتم إفراز حامض الهيدركلوريد (HCL) لتجزئة البروتينات (كاللحم)، وقَتل الجراثيم. ولا تهضم المعدة نفسها بالحامض القوي والأنزيم الهاضم للبروتينات، لأن تجويفها القوي المتماسك مغطى بمادة واقية من سائل مخاطي يعمل كطبقة جص/إسمنت. وتمتد المعي مسافة ٨,٥ مترًا، من فتحة البواب بالمعدة حتى الفتحة الشرجية، وكأنبوب مرن الجدارن متغير الحجم. ويبلغ طول أمعائنا الدقيقة ٧ أمتار، وطول أمعائنا الغليظة ١,٥ متر.
الجنرال المكابد
الكبد الجنرال من ملحقات الجهاز الهضمي (كيلو وأربعمائة غرام)، وأكبر عضو غددي. مصنع كيميائي ومعمل مركزي ضخم، ويهيمن على أحداث جسمانية تربو على الثمانين، ويشرِف ويشارك في إنجاز ما يزيد عن خمسة آلاف تفاعل كيميائي. ويصنع هذا الدماغ الكيميائي البروتينات كالألبومين، وبروتينات تخثر الدم كالفيبرينوجين، والبروتينات الدهنية، والجليسردات الثلاثية والدهون الفسفورية. ويساعد علي فتح الشهية، وتنظيم مستوى الكولسترول منخفض الكثافة، وعالي الكثافة، وجلوكوز الدم، وما يزيد عن الحاجة من الأخير يخزنه كنشا حيواني ليحوله إلى سكر عند الحاجة. كما يمكنه تخزين البروتينات والدهون وتحويلها إلى سكر، وله أهميته في تخزين الفيتامينات التي تذوب في الدهون (Vitamins A, D, E and K) والفولات، وفيتامين ب١٢، والأملاح المعدنية، والنحاس، والحديد. ذلكم الحديد اللازم لبناء كريات الدم الحمراء، ويساعد الطحال في تفتيت كريات الدم الحمراء الميتة، فيخزّن حديدها، لإعادته للدم ثانية.
والكبد مصفاة ومرشح للسموم والنفايات كالأمونيا، فيحولها لبولينا (Urea) وتفرز بالبول. وله دورة دموية خاصة، ولكونه يقع -إجباريًّا- في ملتقى الطرق، فيقوم بـ”تفتيش جمركي” لتركيبة الدم تبعًا لتنوع الأغذية ومقاديرها. وتبلغ نسبة الدماء القادمة إليه للتفتيش ٢,٠٠٠ لتر/يوم. ولرجل عمره سبعون عامًا، يكون الكبد قد قام بإنتاج ١,٥ طنًا من البروتينات و١٢,٥ طنًا من الكربوهيدرات، ثم يفتِّتها أو يركّبها حسب الحاجة.
شبكة الصرف الصحي
صممت الكلي كمصفاة خارقة بحجم بسيط (وزنها ١٤٥ج). وتتكون الكلية من نحو مليون وحدة كُلْيون (النيفرون)، والكُلْيون قناة دقيقة لها نهاية مغلقة بطول ٣-٥ سم. ولأن ضغط الدم في الوعاء الشعري أعلى من ضغط السائل في محفظة بومان، تندفع المواد الضارة في الدم إلى المحفظة، وتتقدم على طول قُنَيَّتِها. ويجتاز ١,٢ لترًا/دقيقة، و١٨٠٠ لترًا/يوم من الدم من الكليونات، تنتقل المواد السامة مع الماء لهذه القنيات. وبينما يمر حجم الدم -٤٠٠ ضعف الحجم الكلي- ليعود للأوردة الدموية، ويترك في قنيات الكلية ١٨٠ لترًا من السوائل، وينتظر طرحها. لكن تمتص الكلي ١٧٨,٥ لترًا، فيتركز البول، ويطرح ١,٥ لتر من البول فقط. كما تقوم الكلي بمراقبة الدم، وتَفرِز هرمون “إريثروبويتين” لتنبيه مصانع الدم بالعظام لتعويض ما يبلى.
مسالك التناسل
توجد الخصيتان داخل كيس الصفن. فدرجة الحرارة خارج الجسم أقل وأنسب (٢٢ درجة) من داخله (٣٧ درجة)، وارتفاع حرارتها يؤدي لضمورها. وينكمش الصفن عند حاجته لدفء الجسم. وتنتج الخصيتان الحيوانات المنوية وهرمون الذكورة. بينما تولد الطفلة مليون – ٢ مليون بويضة، ويتحرر نحو ٤٠٠ بويضة خلال سنوات خصوبتها. وينتج كل مبيض (بالتبادل) بويضة شهريًّا. وتستقر “ناعسة” في أقرب قناة فالوب. ويقطع أكثر من خمسين مليون حيوان منوي (١٠ ميل/ساعة) لإخصاب البويضة. ويبلغ الهدف حيوان منوي واحد فقط.
(*) كاتب وأكاديمي مصري.