العلاقات الإنسانية علاقات قائمة على القيم والأخلاق، واحترام النفس البشرية والحفاظ عليها معنويا وماديا، وزوال الدنيا أهون عند الله من زوال الكيان الإنساني بغير حق؛ من أجل ذلك جاء التكريم الإلهي للإنسان –لمجرد أنه إنسان- :(ولقد كرمنا بني آدم)، وكل من يتعدى على الكيان الإنسان بسوء فهو خارج الرحمة الإلهية ؛لأن الرحمة الإلهية تتنزل عندما يتراحم أهل الأرض مع بعضهم، ويحافظوا على علاقات الود والمحبة بينهم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
من هنا ومن منطلق الرحمة الإنسانية يقيس الإنسان إيمانه وسلوكه وأخلاقه، فكلما ازدادت رحمته بالناس كلما كان تدينه أقوى وأخلاقه أعلى، والعكس فعندما نرى القسوة في التعامل والعنف في التصرفات والأفعال فإن ذلك يدل على وجود خلل في التدين، هذا هو مقياس التدين، وهناك مقياس آخر لا يقل أهمية عن المقياس السابق وهو مقياس النظر في مردود الأفعال على الناس من خلال الواقع، وهل التصرفات الإنسانية تحقق المقصود الوجودي للإنسان وهو تحقيق له السعادة في معاده ومعاشه أم لا، وهنا يأتي فقه المآلات وهو النظر في نتائج التصرفات، وهذا الفقه لابد أن نراعيه قبل الشروع في الأقوال والأفعال، وهذا الفقه ضروري لحماية الأمة من ويلات العنف والتطرف والإرهاب ،كما أنه ينبغي أن نعرض أقوالنا وأعمالنا على تعاليم الإسلام فهي الميزان الذي يضبط حياة الناس ضبطا متزنا، وتسير بهم في منهج الاعتدال والوسطية؛ من أجل ذلك أدرت أن ينظر كل إنسان إلى نتائج وآثار تصرفاته وأفعاله ،وأنه من الضرورة أن تعرض جماعات العنف والتطرف تصرفاتها وسلوكها وأعمالها على مقياس اعتبار المآلات ،وتعاليم الإسلام ؛لتنكشف الحقيقة جلية أمامه، وهل فعلا أنهم عن طريق التطرف والعنف والإرهاب وصلوا إلى ما أردوا ،وهل نصروا إسلاما وأعزوا المسلمين كما يظنون، والنتائج المترتبة على العنف هي التي ستجيب إجابة حيادية، فمن نتائج هذا التطرف -الذي ترجم إلى عمليات إرهابية تفجيرية:
1- أنه أدى إلى زيادة العداء ضد الإسلام ،بتوفير أدلة مادية وظفها مشروع التخويف من الإسلام أوسع توظيف، واستخدمها دعاة الثقافات الأخرى للوصول إلى أغراضهم الخبيثة في وصف الإسلام بأفعال وتصرفات بعض المنتسبين إليه، فوصفوه بالإرهاب ومعاداة الإنسانية، وأنه ضد التسامح والتعايش..!.
2- تنشيط المد العنصري، وتقوية الاتجاهات اليمنية في الغرب، حيث أصبحت الرغبة في التخلص من الوجود الإسلامي، والسعي إلى التمايز الثقافي جزءا من وعود الطبقة السياسية لمواطنيها، وانعكس كل هذا سلبا على المواطنين المسلمين، وتضررت الجاليات المقيمة في ديار الغرب، فأصبح التأكل في حريات الممارسة الدينية ظاهرة منتشرة في بعض هذه البلاد.
التطرف والفكر التكفيري تجربة غير منسجمة مع التعاليم القرآنية
فتعاليم القرآن:
1- تدعو إلى السلام : ﴿ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ (البقرة:208)، وتمنع وتحرم أية ممارسة عدوانية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البفرة:190)، وتحرم قتل النفس إلا بالحق: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ (الإسراء:33).والجماعات المتطرفة تسير في اتجاه معاكس لهذه التعاليم ،فهي تدعو إلى التحارب ،وتسوغ بمسوغات خاطئة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
2- تجعل للعقائد طريق العقل وحرية الاعتقاد، وتحرم إجبار الناس على الاعتقاد: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾(البقرة:256). والجماعات المتطرفة تحاول إجبار الناس على اعتقادات معينة ،وتقيد الفكر، وتضيق ما وسعه الله.
3- لا تفوض البشر ولا تعطيهم حق التفتيش عن عقائد الناس قال: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ (الغاشية 21-26)، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾(آل عمرا:20) وقد وردت لفظة البلاغ (11) مرة في القرآن الكريم تحدد الذي يحاسب على المعتقدات هو الله تعالى وأن الله لم يفوض المحاسبة الى البشر. والجماعات الإرهابية تحاكم الناس وتكفرهم وتخرجهم من الإسلام بسبب بعض المعاصي والذنوب التي لا يخلو منها إنسان.
4- تدين معالم القرآن الكريم الغلظة وقساوة القلب : ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ (البقرة:74)، وتأمر بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن والموعظة الحسنة في الدعوة اليه: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل:125). والجماعات المتطرف دعوتها قائمة على الغلظة والغلظة وتنفير الناس من الدين ،وتحريم ما أحله الله ،وتكليف الناس ما لا يطيقون.
5- المنهج الإسلامي الذي أرسل الله به الرسل والانبياء منهج الرحمة بالإنسان مطلقاً، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107). وقد روى أنهم قالوا لسيدنا محمد-صلى الله عليه – ادعُ على المشركين، فقال:” إنما بعثت رحمة ولم ابعث عذاباً”.
هذه نماذج من التعاليم القرآنية التي تظهر لنا أن جماعات التطرف والإرهاب تخالف تعاليم القرآن الكريم وأنها تستفز مشاهر الناس وترسخ للحقد والكراهية بين الإنسانية وهذا بدوره ينشأ عداوة بين بني البشر، ويؤدي إلى التأخر الحضاري بل وانهيار الحضارات.