يُعدّ الضحك منشطًا نفسيًّا كبيرًا، اعتبره علماء النفس مفعولاً مزيلاً للتسمم المعنوي والجسدي؛ لأنه يساعد في التخلص من نوبات الاكتئاب البسيطة والمخاوف، ومن حالات القلق التي يتعرض لها المرء في حياته اليومية. ويشير الباحثون إلى أن الضحك يسهم أيضًا في تخفيف آثار التوتر الضارة بصورة كبيرة، حيث يقلل الشعور بالإحباط، ويسمح بتفريغ العواطف المكبوتة.
وقد ثبت علميًّا أن الضحك يعمل كصمام أمان يقلل من إفراز هرمونات الإجهاد، وعندما نضحك تزداد مناعة الجسم بزيادة إفراز بروتين جاما إنترفيرون -المقاوم للأمراض- وخلايا “Teels”، وخلايا “Beells” خلايا الدفاع ضد الأمراض، كما يرتفع الأكسجين في الدم وتتحسن الدورة الدموية، ويزداد تركيز جلوبيولين المناعة (أ) في اللعاب، ويعمل ضد عدوى الجهاز التنفسي، وتزداد الإندورفينات وقاتلات الألم التي يفرزها المخ، وتتعزز القدرة على تخزين المعلومات في المخ.. الضحك إذن، يخفف من ضغوط الحياة، ويحفظ ضغط الدم، ويقوي مناعة الجسم، ويسكّن الألم، ويقلل القلق، ويخفض التوتر ويريح المخ، كما أنه يشجع على التواصل مع الآخرين، ويلهم الإبداع، ويرفع ويدعم المعنويات.. فهو خير مزيل للتسمم المعنوي.
رياضة الضحك
الضحك رياضة هامة يدخل الهواء النقي إلى الرئتين، ويجعل عضلات الجسم في حالة استرخاء جميلة؛ تساعد على تجديد النشاط الحيوي، وتولد الشعور بالصحة، الأمر الذي يحدث الراحة العقلية للإنسان.
وتؤكد الأبحاث العلمية أن الضحك يعادل في آثاره الصحية القيامَ برياضة صعبة مثل التجديف لفترة طويلة، فما يصدر عن الضحك من شهيق وزفير، يماثل في قوته ما يصدر عن آداء التمرينات الرياضية، فهو يزيد من تدفق الدم في الشرايين، ويزيد من سرعة التنفس، ومن تعاظم استهلاك الجسم للأوكسجين.. وكلها عوامل تساعد في تقوية الجهاز الحيوي عند الإنسان.
اضحك من أجل قلبك
هناك مقولة مشهورة تقول: “اضحك من قلبك”، ونقول نحن هنا “اضحك من أجل سلامة قلبك”.. لقد ثبت علميًّا أن الضحك يقلل من خطر الإصابة بنوبات القلب؛ ففي مارس عام 2005م أعلنت جماعة من الباحثين من جامعة ميريلاند -ولأول مرة- أن الضحك يتسبب بالفعل في تمدد البطانة الداخلية للأوعية الدموية، الأمر الذي يزيد من تدفق الدم، وهذا أمر طيب لصحة القلب.
وكان الدكتور “ميشيل ميلر” رئيس هذه المجموعة البحثية، لاحظ سابقًا، أن مرضى القلب على وجه العموم، يستجيبون لوقائع الحياة اليومية بقدر من البشاشة يقل عنه عند الأصحاء. كما لاحظ آخرون أن احتمال إصابة أصحاب النظرة المتفائلة بمرض القلب أقل من غيرهم.
وقد قدر الباحثون تدفق الدم في الشريان العضدي لمائة وستين حالة، واتضح أن التدفق قد ازداد في 95% منهم أثناء مشاهدتهم فيلمًا فكاهيًّا، وأن نسبة 75% ممن شاهدوا فيلمًا حربيًّا قد انخفض لديهم هذا التدفق؛ حيث بلغ متوسط الزيادة في تدفق الدم أثناء الضحك 22%، وبلغت نسبة الانخفاض 35% في حالة الإجهاد الذهني، استمر الأثر 30-45 دقيقة عقب مشاهدة الفيلم، وقد فسر الدكتور ميلر ذلك الأمر بقوله “تحمل البطانة الداخلية للأوعية الدموية مستقبلات للإندورفين الذي ينشط مستقبلات، ليتسبب في تفاعلات تؤدي إلى اتساع الأوعية، بينما يتسبب الإجهاد الذهني في إفراز هرمونات الإجهاد، مثل الكورتيزول الذي يقلل بدوره من إفراز أكسيد النيتريك من خلايا البطانة، الذي يؤدي إلى انقباض الوعاء.
وخلاصة القول كما يقول “وليم فراي” أستاذ العلاج النفسي في كلية الطب بجامعة ستانفود: “إن كمية كافية للضحك، قد تقلل من خطورة أمراض القلب والاكتئاب والحالات المرضية التي يسببها الإجهاد والقلق”.
الضحك حتى البكاء
قد تنتاب الإنسان حالة من الضحك الشديد الذي تسيل معه الدموع على الخدين، هذه الحالة من الضحك الشديد، هي التي تُعرف بالضحك حتى البكاء.. والتفسير العلمي لهذه الحالة التي تنتاب البعض عند الضحك “بأنها اختلاجات عضلية منقطعة تستهلك الكمية الفائضة من التوتر، فإذا استمر التنبه وعجز الضحك من استنفاذ التوتر، انتقلت آثار الدغدغة إلى العضلات الحشوية، فتنبه بعض الغدد وخاصة الغدد الدمعية ويتحول الضحك إلى بكاء، وحينئذ ترتخي العضلات ويسكن الجسم. وقد أثبت طب العيون أن هذه الحالة من الضحك، بمثابة تنظيف وتطهير للعدسات على مستوى عالٍ من الشفافية والدقة تنقي بها العيون.
هذا وقد بدأ العلماء اليوم، في اسخدام الضحك أساسًا لإستراتيجية علاجية حقيقية اسمها “جيلوتيراني” تقوم على أساس استخدام تقنيات استرخاء ويوجا، من خلال تعلم منعكسات تنفسية وتمارين خاصة. كما تلجأ العديد من المشافي في أوروبا، والولايات المتحدة الامريكية، إلى استخدام مهرِّجين لتسلية نزلائهم والترويح عن أنفسهم.. ومع أن هذا الأمر لا يؤدي بالضرورة إلى شفاء المرضى فإنه يساعدهم على نسيان آلامهم، ويعطيهم دفعًا معنويًّا يعينهم على الصمود في وجه المرض.
(*) كاتب وباحث مصري.