إن النفوس التي لمستها أجنحة الملائكة العلوية وطهرتها من التعلقات والفانيات، بحيث صارت علوية مدركة تمامًا طبيعة مرورها العابر في هذا الكون..تعمل ليلاً ونهارًا كي تحوز رضا الله ورسوله.
نفوس شفافة ترى في حركاتها وسكناتها أنوار آيات القرآن الكريم..، نفوس جعلت حياتها وقفًا لله. حين يسقط الآخرون، نرى أصحاب السمو الروحي من هؤلاء ينهضون، بلا عتاب ولا لوم ولا اكتئاب، بل في كامل التوكل والفقر والهمم العلية، منهم من يحمل قلمًا طاهرًا ومنهم من يحمل فأسًا أو حقنة أو أي شيء أقامه في الله كي يسند ويساند.
إننا في مرحلة دقيقة تقتضي منا تحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية والإيمانية قبل كل شيء، ولن يكون هناك سبيل إلى ذلك إلا بالتصالح مع ذاتنا في الماضي كي نبني ذاتنا المستقبلية.
هم متكاملون لا متكالبون..متوضؤون لا متواطؤون، يحلقون في سماوات التواضع الشريف.
ويسألني السائل أين أزورهم؟
فقلت: هم يسكنون في خواتيم سورة الفرقان.
ويسألني آخر: وما مقامهم؟
قلت: هم عباد الرحمن.
ويزيد ثالث: وما مآلهم؟
قلت: روح وريحان وجنات الرضوان.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة في مناهج التربية والتعليم أن أنجع وسيلة تربوية هي القدوة الحسنة.
وقد أفنى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره المبارك كله في صناعة النماذج والقدوات من خلال ما قدمه للصحابة الكرام رضي الله عنهم، وبالتالي ما قدموه هم للتابعين وهكذا إلى أن وصلنا كل هذا الثرات والرصيد التربوي والأخلاقي العظيم، لمن يطلع طبعا عليه، ولمن لا يجحد الحق ويشهد بالصدق.
لقد صنعوا على عينيه، فقد كانت عينه الشريفة ترعاهم واحدًا واحدًا بالمحبة والعناية والنصح والتوجيه.
لقد صنعوا بيديه، فقد كانت يده الشريفة أسبق الأيادي البيضاء للخير وصنائع المعروف والبر..، ومن نبع التأسي والتشبه كانوا ينهلون.
إن أكبر فخ سقط فيه جيلنا، هو أنه لم يفهم الدرس القرآني جيدًا قال تعالى:( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)(سورة الأحزاب: 21)
وهنا بكل اطمئنان أستطيع القول إن القرآن الكريم من الناحية التربوية والتعليمية كان سباقًا إلى تأسيس مدرسة الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة والإرشاد إليها.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة في مناهج التربية والتعليم أن أنجع وسيلة تربوية هي القدوة الحسنة.
ترى ما الذي كان سيحصل لو تربى جيلنا في تناغم مع نبضات قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم! أو لم يوصينا – روحي له الفداء – بقوله: “لا يُؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به”. (رواه الإمام النووي)
ألم يقل لنا صلى الله عليه وسلم إن آل بيته الأطهار سفينة نوح عليه السلام في زمن المحن والفتن الظاهرة والباطنة كأيامنا هذه، وبأن صحبه الكرام نجوم الهدى والتقى، وهل تنفصل السفينة والنجوم لمن ينشد النجاة والسلامة؟
إننا في مرحلة دقيقة تقتضي منا تحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية والإيمانية قبل كل شيء، أمام الله تعالى ورسوله والذين آمنوا وعملوا الصالحات..، ولن يكون هناك سبيل إلى ذلك إلا بالتصالح مع ذاتنا في الماضي كي نبني ذاتنا المستقبلية.
وإن وجود كل هذا الرصيد الروحي والتربوي في قلوب المخلصين من أبناء أمتنا المرحومة بإذن الله، لكفيل بأن يجعل الأمر ميسرًا ما توافرت وتظافرت العزائم الطاهرة، فيد الله دومًا مع الجماعة.