اكتشف البشر منذ الأزل استخدام النار، وعرفوا أهميَّتها وضَرورتها في حياتِهم اليوميّة وكان المكتشِف لها هو “العقل” البشريّ الذي لا يزال يسعى في تطوير إشعالها، وكيفيَّة توْليدها وتعدّد اسْتخداماتها، لك العقل الذي يشبهها من جوانب عدَّة:
-فهو طاقة كبرى ذات قدرة عظيمة؛ منه تتولّد الأفكار ثم عنها تنتج الأعمال والأخلاق، كما أنَّ فيه تتلاقح الأفهام وعنها تصدر العلوم والفنون.
وكذلك النار؛ تتولّد عن الاحتراق لتكُون طاقة حرارية وضوئية عظمى ذات قدرة ضخمة، ونتجت عنها الاستخدامات الكثيرة في العديد من شؤون الحياة قديمًا وحديثًا؛ فهي من أقدم ما عرف الإنسانُ منَ الطاقات.
– ومن ذلك أنَّ العقل سلاحٌ ذو حدَّين؛ قد يُفيد وقد يُدمر، يُداوِي أُممًا أو يُعيِـيها، يحييها أو يُهْلِكُها.
كـالنارِ تماماً؛ تلكَ التي جعلَت من العجين خبزًا يُقيم به الناسُ أصْلابَهم، وهي ذاتها التي تُستخدم في العلاج لأنواعٍ من الأدواء؛ بل هي نفسها التي تَنْشب في المنازِل والمعامل وسواهما فتُصيبُ مَن تُصيبُ وتَقتلُ مَن تَقتلُ، فهي سببُ حياةٍ ومَوت.
– ومِن ذلك أيضاً أنَّ العقْل هو الشيء الخطير الذي تُنميه وتُشعله فِكرَة صغيرة عابِرة؛ كـالنار مُعظمها مِن مُسْتصغَر الشرَر.
– ثم إنَّ النار كلَّما أطعمتها ربت ونمت، كما العقلُ حين يُغذَّى بالأفكار؛ فلا بدَّ إذنْ من الاهْتمام بالتغذية مع العناية بنوع الغذاء؛ إذ لو كانت القمامة غذاء تلك النار؛ فَيا لسوءِ ما تخرجه من رائحة.
– ومما تتميَّز به النار؛ أنك إن تركتها تلتهم نفسها؛ فذلك موتها البطيء .والعقل يموت كما تموت.
فحذار من موت العقل الذي يعد المرء من الأموات وهو ما يزال يتنفَّس على ظاهر الأرْض، ولا يكون إلا هالكا في نفسه، مهلكًا لمن حوله عبئًا ثقيلا.