في يوم عرفات الله خير يوم طلعت فيه الشمس ونحن نتأمل حجاج بيت الله الحرام وهم يقفون على صعيد عرفات بلباسهم الأبيض وقلوبهم الخاشعة النقية. تتجلى وحدة الأمة بأسمى معانيها، حيث يجتمع المسلمون من كل مكان وعلى اختلاف أجناسهم وألوانهم في مكان واحد ينتمون إلى رب واحد، ونبي واحد ودين واحد، لباس أبيض واحد، ونداء واحد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) لا غني هنا ولا فقير، لا قوي ولا ضعيف، لا أبيض ولا أسود، لا أمير ولا عبد.
الكل اليوم عبيد الكل اليوم أتوا متجردين من كل ألقابهم ومناصبهم ومراكزهم، الكل فقراء لله، أتوه شعثًا غبرًا طالبين مغفرته وآملين في رضاه.
اليوم يباهي الرحمن بعباده الملائكة فيقول جل في علاه: “ها هم عبادي أتوني شعثًا غبرًا يبتغون مغفرتي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم”.
كم وقفت بساحة عرفات جموع، وسالت على صعيده دموع، وتعارف عليه الناس، وذابت على ثراه الأجناس، وقُبِلَ ضعيفٌ ورُد شديد المراس؟
كم تعانقت فوقه قلوب، وفرجت شدائد وكروب، ومحيت أوزار وذنوب؟

ما أحوجنا إلى قلب أبيض يحمل هموم أمته بعيدًا عن الأنانية والنظرة الفردية، ما أشد حاجتنا إلى قلوب لا تعرف الرياء والكذب والنفاق، قلب لا يعرف التكبر والغرور والتعالي على الآخرين.

كم امتزجت فيه دموع المذنبين، واختلطت رغبات الراغبين، وتداخلت أصوات المستغفرين؟
كم خلصت عليه النيات، وسالت على حصبائه العبرات، وذل أهل الأرض لخالق الأرض والسموات؟
اليوم يوم المغفرة والعتق من النار، اليوم يوم وحدة الأمة، هكذا أرادنا الله تعالى فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)
عندما أتأمل حجاج بيت الله الحرام بلباسهم الأبيض البسيط، أقول في نفسي: “ما أشد حاجتنا إلى قلوب بيضاء؟”، قلوب متسامحة طيبة نقية لا تعرف الحقد والضغينة، قلوب طاهرة تقية لا تعرف الظلم ولا الخيانة ولا القسوة، ما أحوجنا إلى قلب أبيض يتوب عندما يذنب ويستغفر وينقي داخله من كل الشوائب والأمراض.
ما أحوجنا إلى قلب أبيض يحمل هموم أمته بعيدًا عن الأنانية والنظرة الفردية، ما أشد حاجتنا إلى قلوب لا تعرف الرياء والكذب والنفاق، قلب لا يعرف التكبر والغرور والتعالي على الآخرين، قلب عزه في ذله لله، وغناه في فقره إلى الله.

في يوم عرفات نتذكر خطبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،في حجة الوداع، ونستحضر كلماته التي نجدها نبراس أمة وأساس حياة:
“كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه… اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله…”، هذا هو ديننا وهذا هو أجمل يوم في حياتنا يوم عرفة، فدعونا نجعل من هذا اليوم المبارك بداية جديدة، دعونا نتعاهد على التوبة والإصلاح، دعونا نفرغ قلوبنا من المعاصي والذنوب والحقد والحسد والأنانية، دعونا نتعلم السماحة والنقاء والإخلاص والوفاء.
إنه الإعلان عن الوطنية الإسلامية الجامعة التي يريدها الإسلام، ويدعو إليها، وطنية العقيدة التي تشهد بأن كل بلد فيه مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته وقداسته.
إنه شعور عجيب نستشعره ونستحضره يوم عرفة، فلا نملك إلا أن نجدد عهد التوحيد الذي قطعناه على أنفسنا ونحن في عالم الذرّ يوم عرفة.
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.