في الآونة الأخيرة اتجهت كثير من المؤسسات العامة والخاصة، المتخصصة المهتمة باللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين بها إلى البحث والتحديث لكثير من المناهج القديمة، وتطوير أساليب التعليم وتدريب المعلمين العاملين في هذا المجال، وأصبح تعليم العربية لغير الناطقين بها فن لا يتقنه كثير من المعلمين، فنٌ تقام فيه المسابقات وتوزع فيه الجوائز ويؤلف فيه الكتب، وفي هذا الإطار عقدت مجلة حراء حوارا مع د. هداية إبراهيم الشيخ أحد المتخصصين في هذا المجال، وعضو فريق إعداد الكفاءة اللغوية.
في عصر الازدهار الإسلامي في القرون الوسطى كانت اللغة العربية من اللغات المهيمنة على تعلم اللغات في العالم، لدرجة أن الأوربيين أنفسهم كانوا يحثون أولادهم على تعلم هذه اللغة؛ لأنها كانت لغة الحضارة ولغة العلم في ذلك الوقت
س- في البداية يا دكتور هل ممكن أن تعرف القارئ الكريم بنفسك؟
هداية إبراهيم الشيخ علي، أستاذ مشارك في الجامعة السعودية الإلكترونية، وجامعة محمد بن سعود، شاركت في إعداد سلاسل علمية في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها إلى جانب بحوث كثيرة في هذا الميدان، كما أشرفت على كثير من البحوث في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها، وشاركت في كثير من ورش تدريب المعلمين العاملين في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها في كثير من بلاد العالم.
وتم اختياري في برنامج إعداد اختبار الكفاءة اللغوية؛ وهو اختبار يشبه اختبارات اللغات في العالم”TOEFL”، وذلك لاختبار قدرات الطلاب ومستوياتهم في اللغة العربية.
س- ما موقع اللغة العربية في مجال تعليم اللغات الأجنبية قديمًا وحديثًا؟
في عصر الازدهار الإسلامي في القرون الوسطى كانت اللغة العربية من اللغات المهيمنة على تعلم اللغات في العالم، لدرجة أن الأوربيين أنفسهم كانوا يحثون أولادهم على تعلم هذه اللغة؛ لأنها كانت لغة الحضارة ولغة العلم في ذلك الوقت، لكن في فترة الركود والانحطاط بدأ الاهتمام باللغة العربية يقل عند غير المسلمين، أما في العصر الحالي فقد عاد الاهتمام باللغة العربية مرة ثانية لعدة أسباب منها:
صدور قرار من الأمم المتحدة يعتبر اللغة العربية من ضمن اللغات الست التي يجوز لك التحدث بها وترجمتها هناك.
وكذلك من ناحية الاقتصاد والسياسة أصبحت الدول العربية منطقة مهمة، لذلك يتجه أكثر الناس الآن لتعلم اللغة العربية، ووجدنا في الفترة الأخيرة طفرة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ ومن أكثر الدول المهتمة بذلك هي أمريكا وأروبا.
ولقد قمت بتدريس بعض البرامج في أمريكا؛ مثل برنامج “ما قبل الجامعة” وهو برنامج مشهور جدًا في تعليم اللغة العربية هناك، إلى جانب أن هناك عناية كبيرة في تركيا وفرنسا بتعليم اللغة العربية، واهتمام كبير جدًا في تأليف السلاسل العلمية وتدريب المعلمين في هذه البلاد، فبعد كل ما رأيت وجدت أن الحاجة ماسة لمزيد من الجهود في تأليف السلاسل الحديثة، وفي تدريب المعلمين بحيث ترقى إلى مكانتها الحقيقيةالتي تستحقها إن شاء الله.
س- هل عندك نصائح معينة لتقوية هذه الجهود أو لنشرها بشكل أكثر فنًا؟
نعم. أنا دائمًا أحب العمل المؤسسي المنظم لعدة أسباب منها:
التخبط الموجود حاليًّا في العمل المؤسسي والعشوائية في التدريب والتعليم، لذلك أتمنى أن تقوم المؤسسات الجامعية والتعليمة في الدول العربية بإعداد برامج متخصصة سواء في تعليم الطلاب أو في إعداد المعلمين؛ بحيث يكون هذا العمل مؤسسيًا أيضا، وأتمنى أن تستفيد المؤسسات الموجودة حاليًّا من تجارب الغرب في اللغات الأجنبية والاطلاع على الاستراتيجيات الحديثة بالنسبة للمعلمين؛ بحيث يكون المعلم أُعد إعدادًا جيد، ويكون هناك اهتمام بتطوير السلاسل التعلمية وتأليفها بصورة جيدة تواكب التقدم العلمي والعصر الحديث.
هناك بعض الأشياء التي يجب على المتخصص أو الأكاديمي أو الذي يتصدى لتأليف وتعليم اللغة العربية أن تتوافر فيه، من ضمن هذه الأشياء: الاطلاع على علم اللغة التقابلي.
س- ما مواصفات أو مؤهلات المعلم أو الأكاديمي الذي يتصدى لتأليف وإعداد مواد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؟
هناك بعض الأشياء التي يجب على المتخصص أو الأكاديمي أو الذي يتصدى لتأليف وتعليم اللغة العربية أن تتوافر فيه، من ضمن هذه الأشياء: الاطلاع على علم اللغة التقابلي، لأنه يساعده على الاستفادة من اللغة الأم واللغة الهدف، فيفهم كيف يتعامل مع هذه اللغة. كذلك ينبغي أن يكون على علم بمدخل التواصل وعلم تحليل الأخطاء، واستراتيجيات تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، كذلك إعداد المواد التعليمة وتأليف السلاسل، وكيف يكون هناك نمو وتكامل، وتأليف المادة التعلمية وكيفية استثمارها داخل الدروس والوحدات؟
س- هناك مرجعيات عديدة لإعداد وتأليف المناهج المتعددة مثل الإطار المرجعي الأوربي ومعايير المجلس الأمريكي، هل يوجد مرجعية عربية لإعداد مناهج عربية؟
هناك محاولة قام بها الدكتور علي مدكور، وكذلك محاولة في السعودية لإيجاد مرجع عربي، ولكن هذه المراجع تحتاج لعمل مؤسسي ولا يستطيع أن يقوم بها فرد، كما تحتاج لدعم وفريق متكامل لإيجاد إطار، والاطلاع على الإطار الأوروبي والأمريكي حينئذ يمكن نقل هذه التجربة في إطار عربي، ولكن تحتاج دعم وعمل مؤسسي حتى تخرج إلى النور في صورة مؤطرة مضبوطة.
س- لكم جهود في إعداد سلاسل تعليم العربية بشكل عام، فكيف تقيمون السلاسل الموجودة في الميدان حاليًّا؟
الحقيقة هناك جهد كبير جدًا في هذا المجال، وأنا أشبه السلاسل دائمًا بالحجر؛ فالحجر يسقط ويتدحرج ثم يثبت، لذلك كل السلاسل فيها ثغرات وخلل، وما دامت التجارب الأولى في مرحلة التدحرج فستثبت وتستقر وتنضج في النهاية، كما أن هناك بعض السلاسل التي انتشرت، منها سلسلة كنوز التي كنت رئيس الفريق فيها، إلا أنه لم تظهر بعد السلسلة التي يجب الاعتماد عليها اعتمادًا كليًّا حتى الآن.
هناك جهد كبير في مجال سلاسل تعليم العربية، وأنا أشبه السلاسل دائمًا بالحجر؛ فالحجر يسقط ويتدحرج ثم يثبت، لذلك كل السلاسل فيها ثغرات وخلل.
س- مؤخرًا حصلت سلسلة “التكلم” على جائزة مجمع اللغة العربية كأفضل مؤلف لتعليم العربية لغير الناطقين بها لعام 2017، فما رأيكم في هذه السلسلة؟
حقيقة السلسلة بذل فيها جهد كبير جدًا، وكوني أعرف المؤلفين فأعرف مقدار الجهد الذي بذل فيها وهذه شهادة أقولها لا مجاملة فيها، فهذه السلسلة لها جهود كبيرة والدخل اللغوي فيها يمشي بوتيرة ثابتة، وصُممت بطريقة حديثة، ومدعومة بموقع رائع، لذلك رَشحتُ هذه السلسة للتدريس في أماكن عديدة، لأنها راعت المهارات اللغوية الأربعة: الكتابة والتحدث والكلام والاستماع، وفيها تدوير للدخل اللغوي فالذي يُستخدم في الاستماع يتم تدويله في المفردات، ويتم تدويله في التحدث، وتبنى عليه مواقف جديدة يتحدث بها الطالب بما اكتسبه من خلال هذه الأشياء.
كما أن المدى والتتابع في هذه السلسة رائع؛ والمقصود بالمدى هنا هو مدى نمو المهارة وتتابعها، أي مستمرة معها لا يحدث تقاطع، إلى جانب أن السلسة تحتوى على نصوص رائعة، نصوص تواصلية حديثة، وكنت أتمنى أن تكون النصوص أطول؛ ولكن مازال تطوير هذه السلسة – حسبما أعرف- مستمرًا، فكل طبعة يضاف إليها المزيد من المراجعات والإضافات.
في النهاية نشكركم على هذا الحوار الطيب المفيد، ونرجو لكم مزيدًا من التقدم والنجاح