لقد منّ الله على هذه الأمة بأن يرسل لها من يجدد لها أمور دينها ويفتح آفاقًا جديدة كلما ضاقت بها السبل. فقد ورد عن النبي فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)( ).وغني عن البيان ذكر ارتباط الدّين باللغة، وأن علوم اللغة مُسَخرة لحفظ الدّين الذي يحفظ به المسلم شأن معاشه ومعاده. ولقد جمع الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدي( )بين ريادة علوم اللغة بجانب كونه فارسًا في ميادين الدعوة.
إن مما امتاز به الشيخ المهدي سعة العلم مع التواضع، فبرغم كثرة اطلاعه يتواضع مع محدثه وطلابه ولا يستنكف أن يوقفه أحد الطلاب ليسأله عن أي مسألة فى أي وقت كان.
من جهوده اللغوية
برغم جمود القواعد اللغوية وجفائها، في بعض الأحيان، استطاع الشيخ أن يستوعبها ويشرحها ويبسّطها لطلاب العلم بأسلوب سهل جميل. ويستخرج لهم منها الدرر ليوفر بذلك عناءً كبيرًا وجهدًا هائلاً للباحثين من بعده، فلم يكن خوضُ الأستاذ “المهدي” غمار علوم اللغة خوضَ الوجلِ الخائف الذي دخله مضطرًا، لكنه دخول اللغوي الأديب الأريب، الراغب المستزيد؛ فتراه يفند الآراء ويعلق عليها؛ يحسّن بعضها ويضعّف أخرى.
وقد ذكر الأستاذ الدكتور عوض إسماعيل بعضًا مما استدركه الدكتور “المهدي” على بعض فحول اللغة وأساتذة البيان القدامى وأئمة النحو والصرف الأعلام أمثال سيبويه والزمخشري وابن يعيش وغيرهم، أذكر منها ما يلي:
استدراكه على سيبويه والزمخشري
يستدرك الدكتور “المهدي” على “سيبويه” و”الزمخشري” و”ابن يعيش” عند حديثهم عن المصدر الذى على وزن “تَفْعال” حيث لم ينصوا على قياسيته، فيقول: “هكذا لم يتعرض “سيبويه” ولا “الزمخشري” ولا “ابن يعيش” إلى قياسية هذا البناء مع أن تعبير “سيبويه” قد يشي بذلك حيث يوجه الخطاب لقارئ حتى في العنوان فيقول فيه: “باب ما تُكَثِّر فيه المصدر من فعلت فتلحق الزوائد وتبنيه بناء آخر”.
اعتباره القرآن المرجع في كل شيء
هذا، وإن كان دأب الدكتور -يرحمه الله- أن يحكّم القرآن في أموره وبين الخصوم ويؤكد أن فيه النجاة، فهو يعتبر القرآن أيضًا مرجعيته اللغوية، ويظهر ذلك في مواضع كثيرة من كتبه ومؤلفاته منها؛ عندما وصف “سيبويه” و”أبوحيان” مجيىء مصدر الفعل “فعّل” الصحيح على “تفعلة”، قال الدكتور “المهدي” :”وباستقراء القرآن الكريم عن هذا الوزن أرى أن رأي “سيبويه” و”أبوحيان” في شذوذ مجيء مصدر “فعّل” الصحيح على “تفعلة” بعيد عن أسلوب القرآن الكريم، وأن أقرب الآراء هو رأي “الرضي” الذى يرى كثرة مجيئه مع عدم قياسيته.
لكن، وللسبب نفسه( ) رد رأي “الرضى” القائل بشذوذ زيادة التاء في المصدر الميمي “مَفْعَلة”؛ حيث قال: “وإن ما جاء في “شرح الشافية”لــ”الرضى” عن شذوذ زيادة التاء غير متفق مع أسلوب القرآن الكريم”.
من نصائحه لطلاب اللغة
ولعل من أهم ما يمكن أن نقف معه من إسهامات الشيخ اللغوية كتابه الماتع “النحو والصرف في خدمة النص القرآني”. ويفصح عنوان الكتب عما يرمي إليه مؤلفه من أن تعلم اللغة ليس غاية بل إنه وسيلة لفهم نصوص الوحي قرآنا وسنة. وهذا ما لا يدكه الكثيرون وللأسف ممن اشتغلوا بالتدريس، فكثيرًا ما كان يقول لطلابه: “لا توقفوا رؤوسكم عند زيد وعمرو”؛ يعنى لا تقفوا عند القواعد وفقط بل افهموها واستوعبوها وأخرجوها ثمرة في فهم مراد الله ولا تقعدوا عند التقعيد والتنظير والاختلاف بين الآراء ومدارس اللغويين وحفظ النصوص ومواطن الخلاف فحسب فهذه ليست غايتنا.
كانت حياة الإمام الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدي حافلة بالعمل والنشاط والدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد أثرت مؤلفاته المكتبة الإسلامية وكانت خير زاد يُرجع إليه في علوم اللغة وفهم أصول الدين..
من شهادات المعاصرين
ولقد أشاد بجهوده اللغوية والدعوية عدد من الأعلام منهم الأستاذ الدكتور حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة حيث قال عنه: “رجل عاش خادمًا لدينه وأمته ولغته، أيضًا الأستاذ الدكتور جاد الرب أمين عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية الذي ألمح لتواضع الشيخ قائلاً: “إن مما امتاز به الشيخ المهدي سعة العلم مع التواضع، فبرغم كثرة اطلاعه يتواضع مع محدثه وطلابه ولا يستنكف أن يوقفه أحد الطلاب ليسأله عن أي مسألة فى أي وقت كان”.
وهكذا كانت حياة الإمام الأستاذ الدكتور محمد المختار المهدي حافلة بالعمل والنشاط والدعوة لدين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد أثرت مؤلفاته المكتبة الإسلامية وكانت خير زاد يُرجع إليه في علوم اللغة وفهم أصول الدين..
من مؤلفاته:
ولقد أثرى المكتبة الإسلامية بعدد من الكتب اللغوية والدعوية منها؛ (النحو الميسر، الصرف الميسر، دراسات عربية في تراثنا الأصيل،تحويل صيغة الفعل الثلاثي وأثره في المعنى والعمل، دقائق التصريف: منهجه ومصطلحاته وكيف نفيد منها، الأحرف والقراءات القرآنية في ضوء الدرس اللغوي، أثر الدرس اللغوي في فهم النص الشرعي، تقعيد النحو بين الشعر العربي والنص القرآني)، فقه العبادات (تلخيص الدين الخالص للإمام السبكي رحمه الله)..فرحمه الله رحمة واسعة وعوض الأمة في فقده خيرًا.