قد يصاب المسلم بفتور أو تعتريه غفلة أو يضعف إيمانه، فدوام الحال من المحال، فقد يصبح العبد طائعًا ويمسي عاصيًا، ويمسي عاصيًا ويصبح طائعًا، وسبحان مقلب القلوب ومصرفها!.
والإنسان تحيطه من كل اتجاه عوائق تمنعه من الوصول إلى الله، فهناك النفس الأمارة بالسوء، والهوى المتبع، والشح المطاع، وشياطين الإنس والجن، والدنيا بزخارفها وزينتها، والانشغال بالأولاد…وغير ذلك من الأمور، ومن هنا يحتاج كل منا إلى محركات ودوافع تنهض به ليعود نشاطه الإيماني، وقد اجتهدت في جمع خمسة محركات يستطيع المسلم إذا ثابر عليها أن يداوم على طاعة الله، ومن هذه المحركات:
الحب والخوف والرجاء
حب الله يفجر الطاقات الإيمانية ويلين الجوارح العاصية، ويذيب قساوة القلب وجمود العين، وهو قوت القلوب وغذاء الأرواح، به يقطع السالكون طريق الطاعات ويعتصمون به من حبائل الشيطان وأمانيه فهو أصل العبادة، ويكفي المحب أنه مع من أحب. يقول ابن القيم عن منزلة المحبة: “وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها”.
وكلما عظم الحب في القلب كلما ازداد القرب من الرب، ولكن ينبغي ألا يقف المحب عند الرسوم والألفاظ بل لابد من أن يطابق العلم الحال، فتغمر المحبة القلب ويظهر أثرها على القلب، يقول ابن القيم: “وفرق بين علم الحب وحال الحب فكثيرًا ما يشتبه على العبد علم الشيء بحاله ووجوده، وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال وهو مثخن بالمرض، وبين الصحيح السليم وإن لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم به وبين حاله ووجوده”.
وأما الخوف والرجاء فهما فطرة بشرية أصيلة، والمؤمن الحق دائمًا بين خوف يرده عن المعاصي ورجاء يحث به الخطى نحو الجنة يقول تعالى (ِإنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين)(سورة الأنبياء 90).
الإخلاص في العبادة
من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص، وقد توعد الشيطان ذرية آدم بالإغواء إلا عباد الله المخلصين: (لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(ص:82-83)، ولا يتعثر في طريق الطاعة والإقبال على الله إلا من لم يخلص وجهته لله، فإنما يتعثر من لم يخلص، فالإخلاص والصدق مع الله يعنان العبد على النهوض بالحق والقيام به والدعوة إليه مهما عظمت قوة الباطل فقد صمد الإخلاص في وجه الباطل والطغاة وحمل مشاعل النور إلى الناس جميعًا وخلد ذكر أصحابه، فاجتهاد بغير إخلاص يذهب هباء منثورًا .
القدوة الصالحة
مهما يكن لدى المرء من طاقات وقدرات ومواهب ومهما يكن لديه من وسائل وأساليب يستثمرها لتربية ذاته وتزكيتها فإنه لا يستغني بأي حال من الأحوال عن وجود قدوة من بني جنسه تكون له نبراسًا وهاديًا في سيره إلى ربه، وتؤثر القدوة تأثيرًا كبيرًا في تكوين شخصية الفرد وصقلها حيث إن الإنسان ميال بطبعه إلى التقليد والمحاكاة، وفي التربية الإسلامية يتحول هذا التقليد أو يوجه إلى ما يسمى بالإتباع ، والإتباع هو عملية فكرية يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز في ظل البصيرة والحجة، لذا عندما أراد الله إقامة الحجة على الناس لم ينزل إليه الكتب فحسب بل أرسل إليهم الرسل، ومن رحمة الله عز وجل أن كان الرسل والأنبياء من بني البشر حتى يكون ذلك أدعى للإتباع وأحرى بالاقتداء، ولو كان الرسول ملكًا من الملائكة لاحتج الناس بضعفهم وعجزهم وعدم طاقتهم على مجاراة الملك فيما يصدر منه من أفعال وتصرفات.
لذا ينبغي أن يكون الضابط في اختيار القدوة -بخلاف قدوة لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقدوة عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهدين من بعدي- ممن تعلق فؤاده بالله تعالى ولم يغفل عنه وأخلص في العلم والعمل . قال تعالى: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28).
ولأهمية الملازمة فإن العلماء كانوا يعدون ملازمة الأستاذ من شروط التحصيل العلمي والتربية العملية، يقول الشافعي – رحمه الله –
أخي لن تنال العلم إلا بستة ……سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة….. وصحبة أستاذ وطول زمان
فهذه القدوة لها دور فعال في تحفيز السالكين وتحرك القلب والجوارح إلى المسارعة في فعل الطاعات.
المحافظة على الأجواء الإيمانية وتجنب أهل الفسق والفجور
من أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن النفس إن لم تشغلها بالحق والطاعة شغلتك بالمعصية، والإيمان يضعف ويضمحل إذا تعرض العبد لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو خالط أهل الدنيا في أسواقهم وأطال فيها البقاء وأجال فيها النظر؛ لذا بين الرسول -صلى الله عليه وسلم-“أن أحسن البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق” .وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات وأساسها على التقوى، والأسواق محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وخلف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه،
يقول الحسن البصري: “إخواننا عندنا أغلى من أهلينا، أهلونا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة”. كما يجب إشاعة الأجواء الإيمانية في البيوت بِحَثّ الأهل على الاجتهاد في الطاعة، وإشاعة هذه الأجواء في المجتمعات كي يزداد المعروف ويقل أو ينعدم المنكر فينصلح حال العباد والبلاد.
التطلع إلى ما عند الله من الأجر والنعيم المقيم
إن من شاهد الآخرة بقلبه مشاهدة يقين أصبح بالضرورة مريدًا لها ساعيًا إليها، فالحياة قصيرة، والجنة سلعة غالية، لذلك تحتاج إلى عمل دائب متواصل، وأن مدة الحياة ابتلاء، وأنها منافسة على أحسن العمل، وأن الموت خلق مع الحياة.