إذا قدر لنا أن نسأل مجموعة من الأفراد في مجتمعنا عن “الأمة الإسلامية اليوم” فإن المتوقع أن تكون الإجابات أسئلة حائرة تقابل السؤال بالسؤال، من نوع: “وأين هي الأمة الإسلامية؟! هل بقي لها وجود؟!” أو تكون تقريرا يائسا: “إن الأمة الإسلامية ممزقة متفرقة… الأمة الإسلامية تعاني من حالة ضعف وهوان… الأمة الإسلامية واقعة تحت سيطرة أعدائها… الأمة الإسلامية لم يعد لها وجود، لأن المسلمين ما عادوا متشبثين بدينهم، موحَّدين في ظل مبادئه…” وهي عبارات لا يمر يوم إلا ونقرأها فيما يكتب ونسمعها في وسائل الإعلام وعلى ألسنة الناس في ملتقياتهم، يعبرون بها عن قلة أملهم في واقع الأمة الإسلامية اليوم، يؤكدون سوء حالها وخطورة مبلغ استشراء الداء في أوصالها. وقد لا نختلف كثيرا عن بعض هذه الآراء التي تبلغ مبلغ الإجماع في مستوى معين من مستويات قراءة الواقع، إلا أن ملاحظة ثانية لا تقل أهمية، تكاد تغيب بصورة مطلقة عن النقاش وعن التفكير وبالتالي عن الوعي العام، وهي أن أزمتنا في إدراك معنى الأمة الإسلامية ومعاني الولاء لها والانتماء إليها وواجبنا تجاهها، لا تقل عن الأزمة التي تعيشها هذه الأمة اليوم، بل يمكن القول إن هناك علاقة سببية لا يخطئها النظر تصل بين الأمرين.
فما هي الأمة الإسلامية ابتداء؟ مم تتشكل؟ ما هي مادتها؟ أليس كل مسلم على ظهر الأرض هو اللبنة الأصغر في بنائها؟ ألا يفترض هذا استحضار العلاقة المباشرة -عند الحديث عن الأمة الإسلامية ومشاكلها- بين الفرد والجماعة، بين حال المسلم وواقع أمته، بين الجزء والكل؛ كما يفترض حرصا على معرفة هذه الأمة من حيث أسس بنائها وخصائصها المتفردة، والتي قد تكون -بشكل ما- أحد العوامل التي جلب لها هذه التحديات الهائلة التي تصارعها، يماثل الحرص على إبداء الحسرة على حالها.
إن مثل هذه المنطلقات هي في تصورنا المداخل التي على إجاباتها تترتب الحلول المقترحة، بل الأسئلة البديلة، المدعو كل واحد للمساهمة في طرحها، ونعتبر أن هذه الأسئلة ينبغي لها أن تظل الحافز للمعرفة والبحث في خيارات المستقبل المطروحة على أمتنا أي علينا أولا، من موقع الانتماء المبدئي والفعلي والدائم للأمة الإسلامية.
1. أسس بناء الأمة في الإسلام
يقوم مفهوم الأمة الإسلامية على أسس ثلاث لا يتيسر إدراكها إلا بالوقوف عندها، ليس بوصفها القواعد التي يقوم عليها بناء الأمة في مجالي التفكير والتجربة التاريخية فحسب، بل لأن هذه الأسس جزء لا يتجزأ من ماهية الأمة نفسها وعناصر بنائها ماضيا وحاضرا، واستمرارها مستقبلا، وهي:
ا) الأساس الثقافي
وهو الذي يمثل قاعدة بناء الأمة الإسلامية، فانطلاقا منه تتحدد ماهيتها ومرجعيتها وضوابط وحدتها، وهو الذي يبين رسالة الأمة الإسلامية، اعتمادا على مصادر الثقافة الإسلامية الأصيلة التي تحدد العقيدة والشريعة ومنظومة القيم والأخلاق والسلوك. وبالرجوع إلى هذه المصادر ندرك أن الأمة الإسلامية مفهوم أسسه القرآن الكريم ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المومنون:52)، وانتقل في السنة النبوية إلى مستوى الواقع الذي يمثل “النموذج التأسيسي”. فقد أسس رســـول الله صلى الله عليه وسلم نواة الأمة الإسلامية في مكة من مجموعة الصحابة الذين صدقوا واتبعوا قبل أن يأتي النموذج العملي من خلال “التوثيق الدستوري” في “العهد النبوي أو صحيفة المدينة” والتي جاء فيها: “هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس”، ثم من خلال الأفعال والأقوال النبوية التي أعطت للجماعة المسلمة في المدينة بعد الهجرة سمات الأمة الواحدة المترابطة بروابط العقيدة والتصور ووحدة القيم والرسالة والمشروع الحضاري، والمنفتحة في امتداد لا يحده جنس ولا لون ولا لغة ولا رقعة جغرافية، إلا ما كان من إيمان بمبادئ هذه الأمة والتزام بمرجعيتها المؤسسة على الشريعة، بما يحقق وحدة الإدراك لكل ما يتصل بهذه المرجعية، كأساس لاحترام ما ينبثق عنها من مبادئ وأحكام تمثل نظاما متكاملا للسلوك الفردي والجماعي على السواء. وعلى هذا القدر من الجلاء كانت الإشارة النبوية في “الصحيفة” “…وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم” تأسيسا لوحدة المرجعية والتي تمثل أهم عناصر وحدة الأمة الإسلامية التي “تؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبالقرآن كتابا.”…
والواقع أنه لهذا الرابط العقدي الثقافي دوره التأسيسي في هذه الوحدة كما سبق، إلا أن هذا الأساس نفسه لو بقي عقيدة مشتركة في قلوب عدد من الناس أو فكرة في عقولهم تمنحهم أجوبة وجودية على أسئلة الكون والحياة والإنسان، دون أن تمتد إلى الجانب العملي من حياتهم وفق آليات ثابتة ودائمة، أسستها الشريعة لتبقى عناصر الوحدة وقوة الروابط والصلات بين الأفراد داخل الأمة، لربما كان قد وقع بين المسلمين في إطار العقيدة الواحدة من التباعد والجفاء ما لا يمكن تصوره إلا باستحضار سير أمم ومجتمعات أخرى وردت إليها النبوات وتتابع إليها المرسلون حاملين رسالة التوحيد، ثم إذا هي بعد مدة طالت أو قصرت تفقد المبررات المادية العملية للوحدة، وتدب إليها الفرقة وتختلف بل تتقاتل حتى حول الفهوم المتباينة للعقيدة المشتركة. والحال أن الأمة الإسلامية تجد في مصدرها الأصيل ما يمكن أن نسميه “إعادة إنتاج مستمرة” لعناصر التوحد في مستوياتها المختلفة، بدءا من النواة الاجتماعية (الأسرة)، وصولا إلى مستوى الأمة الإسلامية الكبرى، مرورا بمستويات الاجتماع الإنساني كافة. ولعل هذه الآلية الموحدة باستمرار تبدو أجلى ما يكون في الأساسيين الاجتماعي والاقتصادي لبناء الأمة.
بـ) الأساس الاجتماعي للأمة الإسلامية
إذا كانت العلاقات الإنسانية هي التي تؤسس المجتمع، فإنه لا يتكون على الحقيقة بالأعداد الكبيرة من الأفراد مهما بلغوا، إلا في ظل شبكة العلاقات المعقدة بينهم، والتي تمثل شرط بناء المجتمع وحقيقته في آن. وبناء على هذا الأساس مثلت جملة الأحكام الشرعية المتصلة بالجانب الاجتماعي والمؤسسة لاستمرار ودوام الصلات بين الفرد المسلم وبين غيره من أفراد المجتمع الإسلامي الذي يوحده الإيمان المشترك بالمقومات الأساسية للإسلام (وحدة المرجعية) سواء اتخذ هذا الإيمان بعدا عقديا ثقافيا بالنسبة للمسلم أو بعدا حضاريا بالنسبة لغير المسلم داخل المجتمع الإسلامي. وعلى هذا كانت حقوق المسلم على المسلم من الاتساع، بحيث تمتد إلى كافة صور الحياة الاجتماعية، ومن ثم فإن فرص بقاء الصلة بين أفراد المجتمع الإسلامي أكبر من أي فرص أخرى في ظل قيم مخالفة. ذلك أن طبيعة الالتزام الديني في الإسلام نفسه تفرض دوام اللقاء مما يسمح بتوطيد الصلات: “الصلوات الخمس في المسجد، السلام آخر كل صلاة، على مستوى الجوار؛ الاجتماع الأسبوعي في صلاة الجمعة على مستوى الحي؛ الاجتماعان السنويان في صلاة العيدين بالمصلى على مستوى المدينة أو القرية؛ اجتماع الحج العالمي الذي يجب على القادر حضوره ولو مرة واحدة في حياته على مستوى الأمة الإسلامية.”
وكلما ضاقت الدائرة الاجتماعية إلا وكان الحرص على توطيد العلاقة أكبر. فالبناء الاجتماعي في الإسلام مؤسس على قواعد الرحم والقرابة والجوار. وهي العلاقات القاعدية في أي بناء اجتماعي مترابط وسليم، “الجيران ثلاثة، جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق. فالجار الذي له ثلاثة حقوق، الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم. وأما الذي له حقان فالجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام. وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك” الحديث. (رواه البزار وأبو نعيم)
هذا إلى جانب ما هو ملقى على المجتمع من مسؤوليات الإصلاح بين المتخاصمين في شتى المستويات، كما هو الحال مثلا في “الإدارة الاجتماعية” للخلاف الزوجي عبر الحكمين ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا﴾ (النساء: 35). وتأسيسا على ما سبق من اتساع مفهوم الانتماء للأمة الإسلامية ليشمل معنى “الانتماء الحضاري” الذي تؤسسه الحياة والقيم الاجتماعية المشتركة، ووحدة التجربة التاريخية للأفراد داخل مجتمع واحد حتى وإن كان من بينهم أقلية لا تدين بدينهم، فإن انتماءها للأمة يكون بصلة الثقافة والحضارة الإسلامية التي مثلت إطارا للحياة المشتركة بينها وبين الأغلبية المسلمة، ولئلا تستدرجنا الأمثلة التاريخية المتراكمة لسيل من المواقف التي جسدت الأساس الاجتماعي المتين لحياة هؤلاء جميعا، ضمن إطار الأمة الجامع… فإننا نعتصم بالأصل “الثقافي” للحياة الاجتماعية على هذا الصعيد، من خلال ميزان التعامل الإنساني المقرر بجلاء في القرآن الكريم: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة:8). ودلالة اللفظين: “تبروهم” (البر: قمة الإحسان في المعاملة) و “تقسطوا إليهم” (القسط: قمة العدل) مؤكدة للمعنى الذي نشأت عنه التجربة العامة في واقع المسلمين، والتي لا تمثل الاستثناءات والشذوذ عن الحالة العامة إلا تأكيدا لأصليتها.
جـ) الأساس الاقتصادي
يرى أكثر المنصفين من مؤرخي الحضارة الإسلامية أنه لو لم تبدع هذه الحضارة سوى نظام “الوقف” كنظام يحقق هدفا مزدوجا يتجلى في الأمن الاقتصادي البعيد المدى لقطاعات معينة في المجتمع من خلال ريع الأوقاف من جهة، وضمان حد أدنى من استقلالية المجتمع، لو لم تبدع الأمة الإسلامية انطلاقا من أصول ثقافتها سوى هذا النظام لكان ذلك كافيا للحديث عن القاعدة الاقتصادية الصلبة في البناء الإسلامي.
إلا أن نظام الوقف ليس نظاما وحيدا في هذا الباب، ففي الشريعة الإسلامية واجبات وأحكام تعبدية -أي أنها شديدة الارتباط بأصل التدين عند المسلمين- لا تتم إلا عبر الإنفاق المادي، أي المساهمة الاقتصادية في توطيد أسس البناء الاجتماعي. وهنا تأتي أهمية الزكاة بوصفها ركنا إسلاميا وواجبا تعبديا ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية، والكفارات عن طريق الإطعام أو العتق في حالات الصيام والأيمان والظهار وغير ذلك.
إن الأساس الاقتصادي في بناء الأمة الإسلامية شديد الارتباط بطبيعة هذه الأمة لجهة قيامه على قاعدة دينية تربط الإنفاق بالجزاء الأخروي حتى لو كان من صميم الواجب، ولما تتسم به منظومته في الأحكام المالية من نزعة اجتماعية ظاهرة، فالمجتمع الإسلامي هو بالضرورة مجال الإنفاق والفرد المسلم وغير المسلم ممن يعيش في مجتمع المسلمين هو من يقطف في النهاية ثمرة هذه المبادئ الاجتماعية التي توجه الفعل المالي والسلوك الاقتصادي في الإسلام.
2. خصائص الأمة الإسلامية
يفرض التأسيس العلمي لمفهوم الأمة الإسلامية تلمس الخصائص المميزة لها، والتي يخلص إليها من خلال الأساس الثقافي في علاقته بعقيدتها وقيمها، ولعلها من التعدد بما يناسب تطور تجربة الأمة التاريخية المؤسسة على هذه العقيدة وتلك القيم، غير أن أهم هذه الخصائص أربعة هي:
أ) أنها أمة التوحيد الخالص: توحيد الألوهية لله تعالى وتوحيد الربوبية الذي يجرد الناس من خصائص الألوهية. وتوحيد الأسماء والصفات الذي يتيح للإنسان التطلع إلى آفاق الجمال في الأخلاق والصفات (صفات الجمال)، فيستزيد منهما دون أن يتجاوز طبيعته البشرية التي تقصر به عن مسؤولية الاتصاف بصفات الجلال. وهذا التوحيد الخالص لا ينفذ إليه إلا بدوام القراءة في كتاب الله المسطور (الوحي) وكتاب الله المنشور (الكون).
بـ) أنها أمة العلم: بدليل أن أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن: “اعمل” ولا “جاهد” بل ولا حتى “اسجد” أو “اعبد”، إنما كان قول الله تعالى: ﴿اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق:1). فالقراءة هي مبتدأ الوحي والمدخل إلى إدراك قيم الأمة وتصورها والوسيلة التي تتجدد بها معاني الدين في نفس الإنسان وعلاقته به (قراءة القرآن). ولأنها كذلك فقد أجمل القرآن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه ﴿هُو الَّذِي بَعَثَ فِي اْلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة:2).
جـ) أنها الأمة الحافظة لتراث النبوات: انطلاقا من المعنى القرآني الذي يشير إلى القرآن كمصدق لرصيد الوحي في الرسالات السابقة، ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ (فاطر 31-32).
د) أنها أمة الحوار: فطبيعة المرجعية التي توجهها طبيعة حوارية، ذلك أن القرآن الكريم هو في أحد وجوهه كتاب منهج الحوار بامتياز، ليس لأنه أورد حوارات الأنبياء مع أقوامهم كعناصر عبرة وتدبر فحسب، بل لأنه اتسع لذكر القول المخالف، وهو قول يحكم المنطق القرآني عليه بالتهافت دون أن يكون ذلك مانعا من إيراده على لسان أصحابه قبل الجواب بالدليل الناصع والحجة البالغة، وفي القرآن نماذج كثيرة لهذا الخطاب “سيقول السفهاء…، ويقول الذين كفروا…، إذا جاءك المنافقون قالوا…”. ثم إن مبدأ الإقرار لكل بما عنده من الحق كائنا من كان قائله سمة أخرى من سمات الخطاب القرآني. وعلى هذا كانت الأمة الإسلامية مدعوة إلى أن تجادل غيرها بما هو فوق المنهج والأسلوب الحسن (بما هو أحسن) ﴿اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل:125).
لا شك أن تلك الخصائص وتلك الأسس قد ضمنت للأمة قابلية عجيبة للبقاء عبر مراحل التاريخ، رغم إرادات الإفناء والاقتلاع الهائلة التي قوبلت بها، وهجمات الإبادة التي قل أن عرف التاريخ لها مثيلا وليس آخرها الهجمة الاستعمارية الشاملة على كل مقومات حياتها مادية كانت أم معنوية. ومن هنا تبدو الأهمية الحاسمة لتلك الأسس والخصائص بالنسبة للأمة الإسلامية اليوم في ظل التحديات الجسام التي لا زالت تواجه، بل التي باتت اليوم تتخذ منحى تصاعديا، لا يضمن معه نجاح التحدي إلا بإعادة إنتاج القيم التي ضمنت لهذه الأمة البقاء ماضيا وحاضرا، وهي كفيلة بأن تضمن لها الخلود مستقبلا.