قوانا الذاتية

قد لا يكون في وسعنا أن نفهم أو نقيس القوى العظيمة التي تنطوي عليها الأمة حين نقف على ما يطفو على سطحها من ظواهر عادية قد لا تثير اهتمام أحد. وهذه الظواهر لا تعني أنّ القوى غير العادية والخارقة في دواخلها ليست بموجودة؛ بل هي موجودة، غير أنها مصونة عن الأنظار وفي حاجة إلى صاحب النظر النافذ والحاد لكي يقاربها، ومن ثَمَّة يبرزها للعيان.
إنّ تعاساتنا وإحباطاتنا المتتالية قد تشكل حاجزاً يعشي أنظارنا فلا نستطيع النظر إلى الأعمق من ذاتية الأمة وتكويناتها الذهنية والوجدانية المطمورة في أعماقها، لذلك فكل جهد يبذل من أجل تحديد النظر إلى ذاتية الأمة وأعماقها التاريخية والحضارية فهو جهد مشكور وهو بالتالي يسهم في عملية الانبعاث المرتقب. فمقال أستاذنا فتح الله كولن في مفتتح “حراء” “نحو عالمنا الذاتي” يهدف في جملته إلى تجديد الأمل في عظمة الأمة وبانبعاثها عندما تتوفر عوامل هذا الانبعاث كما يراها الأستاذ.
وأيُّ انبعاث لا يستند إلى القرآن والسنّة المطهرة جهد ضائع لا يفضي إلاّ إلى المزيد من الإخفاق والإحباط، ومن هنا جاء اهتمام الشعوب الإسلامية غير العربية بالقرآن وبلغة القرآن. وكان الأستاذ الدكتور خالد الصمدي موفقاً في الإشارة إلى هذه المعاني في مقاله “لغة العرب أم لغة القرآن”.
والأستاذ البوطي، هذا القلب الحزين والكسير يناجي ربّه مناجاة مقتطعة من حنايا روحه، وإنها بالتأكيد ستشيع في قراء “حراء” حزناً سامياً محبباً يذكّرهم بالعجز والافتقار إلى رحمة الجليل القهار.
ولا نكاد ننتهي من هذه المناجاة حتى يطالعنا أديب الدباغ بصفحة من صفحات “نثره الفني” ذي النفَس الشاعري عن “درويش في بلاد الأناضول” وهو مترع بالرمزية والإيمائية إلى معانٍ يعجز القلم في كثير من الأحيان عن الإفصاح عنها.
ونخرج من هذه “الرمزيات والإيمائيات” لنعود إلى شاعرة الإيماء والرمز سعاد الناصر في قصيدتها الجميلة “همس الورود” وإلى “نبيلة الخطيب” في قصيدتها “طوبى”، ثم إلى كبير شعراء المغرب العربي الأستاذ حسن الأمراني في قصيدته الرائعة “مكة”، والمغربي الآخر الأستاذ الكبير فريد الأنصاري في مقاله الرائع عن “فلسفة العمر”، ومن هنا نعرج لنطالع “فلسفة الإسلام في التعايش مع الآخر الديني والثقافي” للأستاذ الكبير والباحث الجاد الدكتور محمد عمارة الذي لا ينفك يتحفنا بروائعه الإسلامية التي يتتلمذ عليها آلاف القراء في العالمين العربي والإسلامي.. إلى جانب مقالات أخرى تثري حياتنا الفكرية والإيمانية، ومن الله التوفيق.