الآتون من وراء الغيب

لا أحد يشك بأننا أصحاب آلام وأوجاع تهزّ كياناتنا الفكرية والنفسية من الداخل، وتكاد تجهز على البقية الباقية من حياتنا الروحية. وعلى الرغم من قتامة هذه الصورة لواقعنا الفكري والروحي، غير أننا لا نزال نضع آمال خلاصنا في أجيالنا القادمة كما يصورها لنا الأستاذ فتح الله كولن في صدد هذا العدد.
فالأستاذ في هذا المقال ينقش في أذهاننا صور هذه الأجيال المثالية المنتظرة ومواصفاتها وما هو مناط بها لتؤديه بكفاءة عالية للانبعاث الحضاري والفكري لهذه الأمة المنكوبة. إنه يستدعي أشواقنا إلى المجد الضائع، ثم يودعها عقل رجل الفكر ويأتمنه عليها. إنه يرفع ضوءاً ساطعاً في قلب تلك الظلمة المهلكة، ويرسم ملامح رجل الفكر بمهابته وبمزاجه المصابر العنيد وهو يشق الطريق ويزيح من أمامه العوائق والسدود، فقواه العقلية والروحية قادرة على تحريك الجبال والإتيان بالخوارق والمعجزات. وهذا الهدف السامي والواعد سيظلّ نصبَ أعيننا وأعين أصحاب الأقلام من كتّاب المجلة.
ولعل أستاذنا الفاضل الدكتور محمد عمارة في مقاله عن “سنة التدرج” يرسم طريق الوصول إلى هذا الهدف بالدعوة إلى التدرج في العمل الفكري والدعوي. فكل محاولة للقفز من فوق مراحل التدرج محكوم عليها بالفشل. ولا زالت “حراء” تجد في السنن الكونية مصداقاً لهذه التدرجية.
فمقالة الأستاذ الدكتور فريد الأنصاري هي الأخرى تصبّ في الاتجاه نفسه حيث يرى الأنصاري أن القرآن هو روح الكون وأن المعرفة القرآنية هي سبيل معراج المؤمن لمعرفة الله تعالى والتعرف عليه سبحانه من خلال سننه ونواميسه.
أما الأديب والمؤرخ والناقد الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل فإن مقاله الموسوم “المضمون الفكري للأدب الإسلامي المعاصر” إسهام في تأصيل المضامين الفكرية في النتاجات الأدبية للأدباء المسلمين. أما شاعر المغرب الكبير الأستاذ حسن الأمراني فإنه يتحفنا بقصيدة من روائع قصائده “شوقاً إلى الله”. فهو يرسم في هذه القصيدة طريقاً عروجياً لأشواق المسلم إلى الله تعالى.
وبعدُ، فما دامت النية قد انعقدت على هذا الأمل الواعد فإننا في حاجة إلى المزيد من الأقلام التي تكرس نفسها لمقاربة هذا الأمل والتمهيد له. فما من صفحة من صفحات البطولة أجدر بالاحترام من صفحات البطولة التي تحرزها الأقلام وتتنافس فيها لكي تحرز قصب السبق إلى الإنسان المسلم الجديد.