“التجديد” هاجس ملح من هواجس الأستاذ “فتح الله كولن” الدائم، ومن همومه الفكرية التي تؤرقه وتشغل فكره. فكتاباته في معظمها تكاد تكون مكرسة لعملية التجديد كما يراه ويدعو إليه. وهو يعزو تأخر المسلمين الحضاري والفكري إلى ما أصاب الفكر من شيخوخة، وإلى ما أصاب القلب من وَهَن، والروحَ من ضعف وهزال. وأزعم أن لسان حاله يقول: أعطني قلباً وذهناً ألمعياً وروحاً نورانياً أفتح لك مغاليق عالمَي الكون والإنسان، وأخرق بك أسرار الأرض والسماء، وأجعلك موضع نظر العالم واحترامه وتقديره، وعلى قدر ما يتركه الذهن المسهد من أخاديد على الجبين وهو يذرع جمجمة المسلم جيئة وذهابًا يكون ارتقاؤه في سلم التجديد. أما إذا كان القلب خرباً والذهن عاطلاً والروح مظلما فإن “اليد” سرعان ما تُجَنّ وتنبت لها مخالب وأنيابا لتخبط خبط عشواء فتبطش بنفسها وتبطش بالآخرين دون رادع من فكر أو من ضمير.

وكما يشير الأستاذ، لا بد للمسلم الذي يسعى لتجديد نفسه من أن يستبقي منافذ الإدراك عنده مشرعة دائما لكي تستقبل هواء التجديد العصري وتستوعب مقاصده وأغراضه من دون أن يمس ذلك مبادئه وقيمه الروحية؛ وعليه -كذلك- أن يربي في نفسه عشق البحث والنتقيب وزيادة المعرفة بالكون والإنسان وبأسرارهما الإلهية التي هي لباب الحقائق جميعًا في هذا العالم، ومالم يرتفع رأس المسلم مثقلاً بالمعرفة حتى يلامس سماء العظمة، فإنه يبقى دون بلوغ مرتبة الإنسان الحضاري المطلوب.

هذه هي المحاور التي يدور عليها مقال الأستاذ فتح الله كولن “الإنسان الجديد” في صدر هذا العدد من “حراء”. فمن أخطر أنواع البشر على الجنس البشري برمته، هم أولئك الذين تفرغ أذهانهم من أية فكرة سامية، وتقفر قلوبهم من نور الإيمان، وتختلج أرواحهم برعب خرافي يحول بينها وبين نشدان حقائق الأمور العليا والتعلق بها والمجاهدة من أجلها.

ومن هنا كان من اهتمامات “حراء” ومن نهجها الدائم الأخذ بيد كل ضارب في معارج الرقي الحضاري والفكري، وكل ضارب بسهم وافر في حقول العلوم الإنسانية والكونية الإيمانية. ومن يتابع “حراء” يخلص إلى نتيجة مفادها أن هذه المجلة لا تفتأ تنشر على صفحاتها بشكل متوازن من المقالات والأبحاث ما يغطي احتياجات المسلم المعاصر من ثقافات ومعارف -إنسانية وكونية علمية وإيمانية تجديدية- علمًا بأنها لم تغفل يومًا الوجدانيات من شعر وأدب وقصة، والله من وراء القصد.