أزف الرحيل بنا، فأين نُقاد وعلى الطريق مفاوزٌ ووهاد؟
طال السُّرى والنجم أظلمَ نورُه والصبُّ قرّح جفنه التسهاد
لكأنني أبصرت طيفك راحلا وتَفـرّق الأحبـابُ والـعوّاد
وبقيتَ وحدك، لا ترى إلا الذي زرعتْ يداكَ وقد تلاهُ حصاد
طرقتْك صائدةُ الهوى فتبعتَها من حيث تحسَب أنك الصياد
وغزا عذارَيكَ البياضُ وإنه -لو كنتَ تعلم- حسرة وسواد
هلا بذلت من الفضائل ما به يبيضّ في يوم الحساب مداد؟
ويحَ النوى! ما للنوى تُذكي الهوى ولقد يقال: من الدوا التسآد
إن الهوى يُردي، ولو سيّجته بالصالحات وقاك منه رشاد
شدّ الغريبُ رحالَه فتنكرت له أمة يا -ويحه- وبلاد
أبُنيّ، خذ عنّي وصيةَ مَن سعى فتقطّعتْ مِن خلفه الأكباد
المجدُ شرّده وبدّد شمله ولكَم تُشرّد ماجداً أمجاد
ما كان يحسب للبِعاد أظافرا مسنونةً حتى رماه بِعاد
سيظل هذا السيفُ يأكل غمدَه حتى يحُلّ بسـاحتَيه مَعاد
قد يخطئ القصدَ الفتى ولَربما مِن قبل غايته يَزِلّ جواد
لا كأسَ أعذبُ -لو بَصُرتَ- مِن التقى فبها يَطيب الورد والوَرَّاد
انظر وراءك، هل تَحقَّق بالذي أنفقتَ من زهر الشباب مرادُ
انظر وراءك ليس من غضبٍ، فما يَنسابُ نهرٌ ما له إمدادُ
منَّيت نفسك بالذي يهفو له الـ عشاقُ إنْ سجنُ الخَليّ رقاد
منَّيت نفسك بالجهاد ولم يكن لك أنتَ غير الأُمْنِيَات عَتاد
منَّيت نفسك بالوصال وهل جرتْ يوماً على درْب الغريب جِياد؟
وسمعت صوتا في الضُّلوع مجلجِلا ويكاد منه يستغيث فؤاد:
البـنـدقـيةُ زهــرةٌ فـوّاحـةٌ إنْ عمَّ هذا العالمين فسَاد
هيهات، دربُك مقفرٌ، والخيلُ قد عبرتْ، وليل الطالبين سُهاد
حجبَتْك عن آلائه نفسٌ غوَتْ وتعلقتْ بالنجم وَهْوَ رماد
كُشِف الغطاءُ وأبصرتْ عيناك ما يُزْري، لقد ملأ الرياضَ قَتاد
ولقد بلَوتُ الدهرَ حتى خِلته قد صار وَهْو لرغبتي ينقاد
ثم انتبهتُ فلم أجد إلا منىً لا عينَ تُسعدُها ولا أَوراد
وَهَجٌ دعا قلبي فلمّا جئتُه سدّتْ عليّ طريقيَ الأسداد
فبمن ألوذ؟ ومن يجير سِوى الذي سوّى، وزادُ الله نعْم الزاد؟
النورُ دونك، فاغترف يا سالكا درب الأحبة، والنعيمُ مِهاد