لو شئنا أن نصف الأستاذ الكبير فتح الله كولن بكلمتين اثنتين لا نتجاوزهما لقلنا: إنه “طاقة حركية” تتفجر من خلال كتاباته. فكلمات مقالاته تكاد تتواثب من أماكنها فوق السطور وتتشكل على الأرض حركة ونشاطاً وعملاً، وإنك لتحسب وأنت تقرؤه وكأن الحياة الموّارة قد انشقت عنه في التو واللحظة. فما أسرع أن تتلمس شيئا من ذاته المشتعلة والمطلة من خلال سطوره وهي تكاد تلفح الأوجه الجامدة وهي تناديك: هيا إلى العمل… فالفكر لا يظلّ حياً إلا إذا تلبّس بالحياة وصار جزءاً منها. يتعلم منها ويعلمها، ويكافح وينتصر مرة ويخفق أخرى. فاقتران الفكر بالعمل هو الذي يبقيه حيا ومتألقا دائما وأبداً… هذا هو مجمل ما يريدنا الأستاذ أن نتعلمه من مقاله الموسوم “الحركية والفكر”.
أما الدكتور الشاهد البوشيخي رائد المدرسة المصطلحية في المغرب العربي فإن مقاله الموسوم “الهدى المنهاجي في القرآن الكريم” يكاد يكون مرآة هذا الفكر الذي يلتزم به ويدعو إليه، وهو منهج كما يراه يجنبنا الزلل والخطأ إذا كتبنا أو قرأنا. وعن إرهاصات “العلم الحديث” وقدراته التنبؤية عن عالم الغيب فهو المحور الذي يدور عليه مقال الأستاذ الجليل محمد سعيد رمضان البوطي. أما عن “فاعلية الأسماء الإلهية الحسنى” وأثرها في الكون والحياة، وفاعليتها العظيمة في التضرع والدعاء والاستغاثة فقد تضمنها مقال الأستاذ الدكتور “فريد الأنصاري”. و”النورسي” هذا المفكر المعجون بالحزن والألم والوجع فإن الدكتور “محمد كنان ميغا” يشخص “فلسفته في اللذة والألم”. وعن الإحباط واليأس الذي قاد كثيرًا من المفكرين في الغرب إلى الانتحار أو حافّات الانتحار فقد تضمنه مقال الدكتور عماد الدين خليل الموسوم “إنهم ينتحرون”.
أنْ يكون الإنسان متديّناً لا يعني ذلك أنه يقف من الحضارة موقفاً سلبيًا، بل على العكس من ذلك، لأن التحضر بمجمله يثري الفكر الإيماني بالمزيد من الشواهد على عظمة الوجود الإلهي. فالتواصل بين الاثنين نجده في مقال الدكتور عبد الرزاق وورقية. والأستاذ الدكتور “خالد الصمدي” يرسم لنا خارطة فكرية تعيننا على بناء ثقافتنا الإسلامية وكيفية تقديمها للآخرين في مقاله المتميز “كيف نبني ثقافتنا الإسلامية؟”. وعن قصة الحياة وبداياتها الأولى بين مقولات الإيمان والنظريات العلمية نجدها مسطرة في مقال الأستاذ جمال الحوشبي.
وختامًا فإن الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس يكتب لنا واصفًا إشراقات مجلة “حراء” في اليمن السعيد، وعن الحفل التعريفي بهذه المجلة التي بدأت تشق طريقها بثقة إلى العالم العربي الإسلامي، وما لاقته من حفاوة وتكريم من رجالات الفكر والأدب في هذه البلاد، وعن رسالتها العالمية التي لاقت من المحتفلين الإعجاب والاستحسان..